صدر مؤخراً للمؤرخ أ. د. خالد بن عبدالكريم البكر، كتابٌ بعنوان: «ورقات أندلسية في التاريخ السياسي والحضاري»، وهو من إصدارات المجلة العربية، وسنحاول في هذه المقالة استعراض هذا الكتاب القيّم.
والمؤلف هو أستاذ التاريخ الأندلسي بقسم التاريخ كلية الآداب جامعة الملك سعود الرياض، وله العديد من الإصدارات التاريخية المتنوعة ما بين كتب وأبحاث ومقالات، وورش علمية وتدريبية، ومن الكتب المنشورة للمؤلف على سبيل المثال لا الحصر: «جهود الليث بن سعد في التدوين التاريخي»، «مهارات في قراءة النصوص التاريخية»، «الأراجيز التاريخية الأندلسية، وغيرها الكثير.
بدأ المؤلف الكتاب بمقدمة باذخة الجمال قال فيها: «توصف الأندلس عادة بـ(الفردوس المفقود)، وما ذاك إلا لأن المسلمين صنعوا فيها تاريخاً مجيداً وحضارة باسقة، زكا غراسها في شبه الجزيرة الإيبيرية، وتفيأ ظلالها المسلمون وغير المسلمين، وألقت ثمارها على العالمين الإسلامي والأوروبي. إنها منهل مورود ينهل منه الواردون على قصة الحضارة، وباب غير مسدود يلج منه المستبصرون في تحولات الزمن وصيرورة التاريخ. إنها بهذا المعنى (فردوس موجود) يمد ظلاله على القارئين، وتمتد إليه أعناق الكاتبين».
هنا يضع المؤلف وصفاً للأندلس ربما لم يُسبق إليه، فقد عُرفت الأندلس منذ سقوطها عام (897هـ/1492م) بهذا المسمى الذي ينم عن حسرة المسلمين على فقدان الأندلس وسقوطها، لكن المؤلف ينظر من زاوية مختلفة، فهي منهلٌ مورود ينهل منه الواردون.... إنها بهذا المعنى (فردوسٌ موجود).
ويذكر المؤلف فكرة كتابه هذا قائلاً: «لقد قرأتُ نصيباً معلوماً من تاريخ الأندلس، وكتبتُ عن بعض ما قرأت ونشرتُ ما كتبتُ في سنوات متفرقة. نشرتُه في أوعية متنوعة، منها ما هو علمي، ومنها ما هو ثقافي. ثم رأيتُ أن أجمع قسماً مما تفرّق من هذه المواد المكتوبة بعد تهذيبها وإعادة النظر في جوانب منها في كتاب مُستقل في عشرة موضوعات تتفاوت فيما بينهما طولاً وقصراً لكنها تنتظم جميعاً في مكونات (الإسلام في الأندلس)».
وقسم الكتاب إلى قسمين:
القسم الأول وفيه الموضوعات التالية:
1. الإبل في الأندلس، وفي هذا الموضوع يتطرق المؤلف لكيفية دخول الإبل إلى الأندلس، رغم اختلاف جغرافيتها ومناخها، وهل كانت الإبل موجودة في الأندلس في عهد الإمارة أم جاءت مع دخول المرابطين سنة(479هـ)؟.
2. الأمويون في الأندلس وفريضة الحج، بعد قيام الداخل بسلخ الأندلس واستقلاله بها عن الدولة العباسية، هل كان الأمويون في الأندلس يستطيعون أداء فريضة الحج على ما بينهم وبين العباسيين من خصومة ومعلوم سيطرة الدولة العباسية على الحجاز، أم أن هناك من استطاع الرحلة إلى الحج من البيت الأموي. وهل كان المنع خاصاً بالأمراء الأمويون أم لا؟
3. دبلوماسي أندلسي في بلاط الصليحيين باليمن، يستعرض فيها د. خالد رحلة رجل يُدعى الحسين بن أحمد بن حي التجيبي، وكيف خرج من الأندلس وأسباب ذلك، ثم وصوله لمصر وانتقاله إلى بلاط الصليحيين في اليمن.
4. ديوان قريش في الأندلس، الذي استحدثه عبدالرحمن الداخل، وما دواعي إقامته، وممن تألف. وهل كان الداخل بحاجة لتعضيد شرعيته؟
5. رسالة عائلية من الشام إلى الأندلس بين عائلتينن استقرت إحداهما في الأندلس والأخرى كانت ببلاد الشام، وأردت الالتقاء بعد طول غياب بحكم القرابة.
6. فك الأسرى الأندلسيين من دار الحرب خلال العصر الأموي يقول المؤلف عن هذا الموضوع: موضوع الأسرى المسلمين من أبناء الأندلس في دار الحرب؛ من الموضوعات التاريخية التي لم تنل حظاً وافياً من الدرس والبحث، وبالذات في العصر الأموي (138-422هـ/ 755-1030م)، وذلك رغم أهمية الموضوع المتعدد الجوانب. فهو ليس موضوعاً جهادياً أو عسكرياً وحسب، وإنما هو ذو صلة بالتاريخ السياسي والحضاري. وعليه؛ فإن القراءة التاريخية لمثل هذا الموضوع لا تقف عند مستوى واحد؛ بل تتجاوزه إلى مستويات متنوعة بحيث يمكن التطرق فيها إلى مناقشة دور (الدولة) و(المجتمع) في فك المأسورين.
أما القسم الثاني عبارة عن مراجعات لكتب أندلسية:
7. حول عنوان كتاب (الحُلّه السِّيَراء) لابن الأبار البلنسي.
8. كتاب منسوب إلى غير مؤلفه (طبقات علماء إفريقية) للخُشني.
9. هل رحل ابن عبد ربه القرطبي إلى الحجاز؟
10. وقفات مع كتاب (التاريخ) لعبد الملك بن حبيب.
وفي الختام بعد هذا الاستعراض المجمل لهذا الكتاب، نستطيع القول: إن المؤلف بذل جهداً عظيماً لإخراج هذا العمل في حُلةٍ زاهيةٍ قشيبة، فقد أثرى العمل بتنوع موضوعاته ومعالجتها بأسلوب المتخصص الأكاديمي البارع، مضيفاً إليها أسلوباً أدبياً جميلاً، فهو يتنقل بك بين موضوعات الكتاب بكل سلالة وبقلمٍ عذب وبمهارة تاريخية عميقة.
** **
- نوال بنت إبراهيم القحطاني