يجمع العالم بأسره على أهمية التراث ودوره في استقرار المجتمعات، سواء كان في الارتباط بالهوية المحليّة لكل مجتمع أو الدور الاقتصادي المباشر وغير المباشر، والحديث عن التراث يتقاطع مع العديد من العناصر الثقافية مثل الآثار، وهي جدليّة لا تزال رغم توثيق وإصرار البعض بأن الآثار تضم التراث، بمعنى أن مسمى الآثار أشمل من التراث، ويعتبر التراث جزءًا من الآثار، وهي آراء علمية راسخة حتى على المستوى الأكاديمي، وإن كان هناك من يرى غير ذلك، فإن كان المقصود التراث المادي فهو تحت مظلة الآثار، وإن كان المعني التراث غير المادي فرأيي بأنه لا يقع ضمن الآثار، مع تبعية الآثار للتراث غير المادي إذا ما نظرنا إلى أصل هذه الآثار فهي نفذت بمهارات ومعارف تعود إلى التراث غير المادي، وهذا ما يعطي التراث غير المادي شمولية المسمى وهو ما يخلق مساحة حوار ثقافي جديد أو يعيد التفسيرات العلمية إلى الواجهة مرة أخرى.
ويعد التراث غير المادي تراثاً حياً، متجدد بتواجد الإنسان والبيئة، ويلعب دوراً كبيراً في تكوين الفلسفة الثقافية لكل مجتمع ورمزاً لحضارة الأمة على مر العصور، كذلك، يعتبر التراث غير المادي شاهداً على فاعلية التواصل بين الإنسان والبيئة وخلق وتكوين المعرفة، بحيث يعرض لنا مهارات ومعارف الإنسان في تفاعله مع البيئة التي يعيش عليها أيّاً كان نوعها، لذلك يعزى حفظ وصون هذا النوع الثقافي إلى المجتمعات المحلية أفرادًا وجماعات للارتباط المباشر قبل الرعاية الرسمية، وهذا ما هو مألوف بشكل رئيس على مر العصور من خلال انتقال التراث غير المادي عبر الأجيال عبر الممارسة والتقليد والتعليم في كثير من الأحيان تبعاً لنوع التراث أو العنصر، وتأكيداً على ذلك نصّت اتفاقية صون التراث غير المادي المعتمدة عام 2003 على الارتباط الوثيق بين الإنسان والتراث غير المادي واستدامته.
من جهة أخرى، يبقى التراث غير المادي، ذا ارتباط بالتاريخ ولا يمكن عزله عن ذلك، كما يشير بعض المهتمين أو المختصين بأن التراث غير المادي لا يقاس بالتاريخ، وهذا يعتبر تفريغًا لاستدامة التراث غير المادي كأصل ثقافي يعبر عن هوية المجتمعات على حدٍ سواء، علاوة على الارتباط الوثيق بين علمي الاجتماع والنفس مع علم التراث غير المادي وصولاً إلى التكنولوجيا الحديثة وتطبيق الممارسات التقنية على أداء بعض عناصر أو مهارات عناصر التراث غير المادي.
** **
- مرضي بن سعد الخمعلي
@mardhisaadd