الانشغال بعيوب الناس يجر العبد إلى الغيبة، وقد عرفنا ما في الغيبة من إثم ومساوئ يتنزه عنها المسلم الصادق النبيل.
انشغل بعيوبك فقط ولا تتحدث عن عيوب الآخرين ولا تكن قالباً نمطياً سلبياً، اصلح ذاتك، افهم نفسك وعيوبك وأصلحها بدلاً من أن تجلس على كرسي الفتاوى، فلا تفتح على نفسك باب الغيبة وسوء الظن وهتك أستار الناس بالانشغال بعيوبهم، ولا تفتح على نفسك باب شر لا يسد بالكلام عن الناس فيتكلموا عنك، والشخص الذي يرى صورة نفسه صغيرة جداً تجده دائماً يضخم عيوب الآخرين، ولذا تبرز شخصية الإنسان من خلال نصيبه من هذه القضية، فإذا عُرف بأنه مشغول بتضخيم عيوب الآخرين والطعن في الناس، فهذه مرآة تعكس أنه يشعر بضآلة نفسه وحقارتها وأن حجم نفسه صغير؛ لأنه يعتقد أنه لن ينفتح إلا على أنقاض الآخرين، فدائماً يحاول أن يحطم الآخرين، ولذا يكثر نقد الناس وذكر عيوبهم، وهذه مرآة تعكس أن إحساسه وثقته بنفسه ضعيفة، وأنه في داخل نفسه يحس أنه صغير. قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ). وقوله تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ). فإذا أردت أن تعيش هانئاً في العالم فلا تحاول تغيير كلّ العالم بل ابدأ التّغيير من نفسك.
ومن ثم حاول تغيير بيتك ثمّ من العالم ما استطعت.
يقول الشاعر أبو الأسود الدؤلي:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه
فالقوم أعداء له وخصوم
كضرائر الحسناء قلن لوجهها
حسدا وبغيا إنه لدميم
والوجه يشرق في الظلام كأنه
بدر منير والنساء نجوم
وترى اللبيب محسدا لم يجترم
شتم الرجال وعرضه مشتوم
وكذاك من عظمت عليه نعمة
حساده سيف عليه صروم
فاترك محاورة السفيه فإنها
ندم وغب بعد ذاك وخيم
وإذا جريت مع السفيه كما جرى
فكلاكما في جريه مذموم
وإذا عتبت على السفيه ولمته
في مثل ما تأتي فأنت ظلوم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيم
ابدأ بنفسك وانهها عن غيها
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما وعظت ويقتدى
بالعلم منك وينفع التعليم
ويل الخلي من الشجي فإنه
نصب الفؤاد بشجوه مغموم
وترى الخلي قرير عين لاهيا
وعلى الشجي كآبة وهموم
وتقول مالك لا تقول مقالتي
ولسان ذا طلق وذا مكظوم
لا تكلمن عرض ابن عمك ظالما
فإذا فعلت فعرضك المكلوم
وحريمه أيضا حريمك فاحمه
كي لا يباع لديك منه حريم
وإذا اقتصصت من ابن عمك كلمة
فكلومه لك إن عقلت كلوم
وإذا طلبت إلى كريم حاجة
فلقاؤه يكفيك والتسليم
فإذا راك مسلما ذكر الذي
كلمته فكأنه ملزوم
ورأى عواقب حمد ذاك وذمه
للمرء تبقى والعظام رميم
فارج الكريم وإن رأيت جفاءه
فالعتب منه والكرام كريم
إن كنت مضطرا وإلا فاتخذ
نفقا كأنك خائف مهزوم
واتركه واحذر أن تمر ببابه
دهرا وعرضك إن فعلت سليم
فالناس قد صاروا بهائم كلهم
ومن البهائم قائد وزعيم
عمي وبكم ليس يرجى نفعهم
وزعيمهم في النائبات مليم
وإذا طلبت إلى لئيم حاجة
فألح في رفق وأنت مديم
واسكن قبالة بيته وفنائه
بأشد ما لزم الغريم غريم
وعجبت للدنيا ورغبة أهلها
والرزق فيما بينهم مقسوم
والأحمق المرزوق أعجب من أرى
من أهلها والعاقل المحروم
ثم انقضى عجبي لعلمي أنه
رزق مواف وقته معلوم
من كان مشغولاً بنفسه عن غيره ارتاحت له النفوس، وكان محبوباً من الناس، وجزاه الله تعالى بجنس عمله، فيستره ويكف ألسنة الناس عنه، أما من كان متتبعاً عيوب الناس متحدثا بها فإنه لن يسلم من بغضهم وأذاهم، ويكون جزاؤه من جنس عمله أيضا؛ فإن من تتبع عورات الناس تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في بيته.
** **
الإيميل: abd8886@gmail.com
تويتر: abd8886@ 1