حسن اليمني
تعتبر روسيا أكبر دولة في العالم بالنسبة للمساحة الجغرافية وبالتالي فإن إضافة مساحات جغرافية أخرى لا ينظر له كونه من شح جغرافي, والأمر كذلك, إذن ماذا وراء هذا الضم وتحمل عظيم المخاطر في سبيله؟
إن عدنا إلى ما قبل عامين وحين انكفأت الدول في العالم على نفسها أمام جائحة «كورونا» مع تعطل النقل والانتقال للناس والأشياء فسنجد أن الأمر كان أشبه بتجربة أو بروفة لكارثة قد تحدث فجأة لأي سبب, وستحكم مدّة هذه الكارثة قدرة وقوة هذه الدولة أو تلك على البقاء والحياة أو في الأقل حماية مستوى المعيشة ومستلزمات ترف الحياة ورخاء عيشها مما يعني أن الكارثة العرضية قد تولد كارثة وجودية, حتى في ما بعد انطلاق الحرب الروسية الأوكرانية وإلى ما قبل اتفاقية أنقرة بين كل من روسيا وأوكرانيا وتركيا بصحبة هيئة الأمم المتحدة حول نقل القمح والذرة ودوار الشمس ظهر شيء من الهلع في نقص الغذاء لكثير من الدول.
(دونيتسك ولوغانسك ووزابورجيا وخيرسون) أربع مقاطعات أوكرانية تعتبر من أخصب المقاطعات الزراعية وأغناها إذ تبلغ المساحة الزراعية 5.6 مليون هكتار أراضي زراعية منها 320 ألف هكتار مسقية طبيعياً ومقاومة للجفاف تنتج 10 ملايين طن من الحبوب في السنة وعشرة ملايين وثلاثمائة ألف طن من دوار الشمس ومليون وتسعمائة ألف طن من الخضروات إضافة لآلاف الأطنان من الفواكه, وبالمجمل تمت إضافة أكثر من 108 آلاف ميل مربع أو بما يوازي 20 % من الأرض الأوكرانية إلى روسيا وستة ملايين ومائة وخمسين ألف نسمة مضافاً لتعداد السكان الروس, أي أنها سلّة غذاء مكتملة غنية وفيرة تكفي روسيا وتؤمن الغذاء لحلفائها بعيداً عن الحاجة للاستيراد من الآخرين, ثم إن قوس هذه المقاطعات يشكل قوس حماية لشبه جزيرة القرم وتزيد طول الشاطئ الروسي على البحر الأسود بما يوازي طول الشاطئ التركي على ذات البحر.
وكنت سبق وأن كتبت مقالاً عن مفهوم الإمبريالية وبيّنت أنها عنوان مهذب لعملية السرقة والسطو المسلح, وبالتالي فالعملية ليست مستجداً مبتدعاً بل هي إعادة سياسة تقليدية كانت متبعة قبل الحرب العالمية الثانية ثم تغيرت أساليبها وأدواتها بعد تلك الحرب وبطريقة أكثر ذكاءً تحقق الغايات دون كلفة بشرية أو عسكرية, وبهذا الفهم نستطيع فهم جنون الغرب «الأنجلو سكسون» تجاه روسيا حتى أن وزير دفاع الولايات المتحدة الأمريكية (لويد أوستن) أعلن مؤخراً أن أمريكا ترفض استخدام السلاح في احتلال الدول الأخرى والسيد (لويد أوستن) هو ذاته وليس غيره كان قائد القوات الأمريكية في العراق, والحال أننا لا نشاهد إلا صراعاً بين قطاع طرق وسطواً مسلحاً تتكشف خلاله السرقات, لكن وعلى أي حال فلا حول ولا قوة لنا إلا بالله والحمد لله أن الدول الإسلامية والعربية اختارت الحياد باستثناء النظام الفاشي في سوريا وطبعاً إيران وفيما عدا ذلك فقد أظهر اختلاف الحرامية فرصة ليس لكشف السرقات ولكن لفتح باب الاستفادة بكل السبل الممكنة للبناء والتدعيم أو هكذا يفترض.
نعود على بدء ونقول إن الزراعة غاية في الأهمية وهي أساس وعماد القوة الذاتية ومقدمة على غيرها من بين الأنشطة البشرية الأخرى، ثم إن الصناعات المتعلقة بالغذاء قوة إضافية ومتى أضيف لها صناعات عسكرية تعتمد أحدث التقنيات العصرية يصبح القرار السيادي ساعتئذٍ متحرراً وخادماً مخلصاً للهوية الوطنية والأممية, وفي ذات الوقت نتألم ونتحسر على تجريف الأراضي الخصبة الزراعية في العراق والشام وإهماله في السودان ومصر وضعف الاهتمام من باقي الدول العربية سواء في المشرق أو المغرب العربي.
إنه وإذا كانت تعاني بلادنا من شح في المياه لعدم وجود أنهار جارية أو مياه جوفية - يقال - إنها غير كافية فبفضل الله توجد لدينا مناطق أكرمها الله سبحانه وتعالى بما يكفي من أمطار لزراعة كثير من المنتجات, وما يبعث على الاعتزاز أننا أصبحنا نرى منتجاتنا الزراعية بكثرة في الأسواق لكن هذا لا يكفي، نحن بحاجة إلى انعطافة حقيقية إلى الزراعة وابتداع واختراع وعمل المستحيل وإن كلف الأثمان الغالية لنصل إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء, وكي ندعم استمراره وتقوية مساره نحتاج إلى صناعات تحويلية غذائية ونحن وبالبرهان نستطيع، فقد حققنا الاكتفاء من الدواجن والألبان والزيتون وزيت الزيتون ونستطيع أن نراكم التنوع بما في ذلك القمح والأرز والذرة متى خصصنا سياسة بهذا الاتجاه, فالكل يتذكر أننا ذات يوم اكتفينا من القمح وزاد عن الكفاية حين رغبنا في ذلك.
يعز على كل مواطن حين يرى اقتلاع الشجر لتحويل الأرض الزراعية إلى أراضٍ سكنية وكأننا نعاني من ضيق المساحة الجغرافية، ويعز ويؤلم حين ترى المزارع ينظر لمنتوج مزرعته فلا يجد الوسيلة لنقله إلى الأسواق إلا بكلفة تكسر همّته ثم يعرضها على الطريق بثمن بخس قبل وصول مراقب البلدية, وبذات الوقت ننظر إلى منطقة القصيم وكيف تلافت ضعف وسائل النقل بإنشاء المصانع التحويلية للمنتجات الغدائية وإقامة المهرجانات التسويقية كما نعتز ونفتخر بمشاريع الجوف الزراعية والتي وصلت درجة متقدمة وتصدّر منتجاتها إلى الخارج بعد اكتفاء الداخل، كذلك الأمر في الأحساء والعودة لزراعة الأرز وفي المدينة المنورة وإنتاج التمور, وكأحد أبناء محافظة الدلم يزعجني تحول الأراضي الزراعية إلى أراضٍ سكنية وتبعثر النشاط الزراعي مع ضعف التسويق في حين كانت الدلم والسيح والقرى والهجر المتناثرة حولها سلّة غذاء للعاصمة وبقية المناطق في البلاد لكن حال الزراعة اليوم هناك تراجعت أمام إغراء سعر التراب العقاري، وبرغم أن المنتجات الزراعية لا زالت موجودة إلا أنه كان من الممكن مضاعفتها أكثر وأكثر، وحين نمد الخطى باتجاه جنوب نجد فهناك الحوطة والأفلاج ووادي الدواسر وكلها غنية بالأراضي الخصبة الزراعية لكن هذه وتلك تحتاج إلى إعادة دفع وتوجيه من خلال الدعم من قبل وزارة الزراعة وتسهيل تسويق المنتجات من خلال وزارة النقل، ولست أدري عن مدى سلامة الاقتراح فيما لو فرض على شركات منتجات الألبان العملاقة هناك الاقتصار على نشاطها الأصلي وصناعاته دون الدخول في مزاحمة المزارعين بل توجيهها نحو الاعتماد على منتجات المزارعين في المنطقة والغرض صناعة التكامل والحماية العادلة للمزارع الصغيرة أمام تغول الشركات العملاقة، وفي كل الأحوال يبقى الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية المحلية ثروة وقوة تضاف إلى قوة الوطن أمام إرهاصات وأعاصير مصادمات بين القوى العظمى قد تنطلق في لحظة ما لتخلق حالة من الفقر والبؤس في كثير من الدول، عسى تسمعني معالي وزير الزراعة.