حمّاد بن حامد السالمي
أين هي تلك الأزمان التي شهدت غزوات العرب؛ الذين خرجوا من جزيرة العرب فاتحين للبلدان شرقًا وغربًا وشمالاً البلد تلو الآخر؛ ناشرين الإسلام، وبانين حضارة قائمة على الإيمان والأخلاق التي ليس لها وجود في زممنا هذا..؟ بل أين هم أولئك العرب الذين كانوا..؟ إنهم بانوا وبانت معهم أزمنة بطولات الغزوات لتحل محلها غزوات مرتدة، ونزوات شيطانية، ليس لها هدف إلا قتل الأهل، وتخريب الديار تحت رايات أعداء العرب.
ماذا بعد هذا الذي حدث من خزي وعار..؟ انظروا هذا الخبر المتداول:
(عقد أعضاء البرلمان العربي التابع لجامعة الدول العربية؛ جلسة طارئة لإدانة القصف الإيراني على شمال العراق، وصوت جميع الحضور على إدانة الاعتداءات الإيرانية، باستثناء ممثِّل العراق حنان الفتلاوي التي عارضت الإدانة)..! ماذا يعني هذا..؟ الدولة المعتدى عليها ترفض إدانة المعتدي وترحب بالعدوان..! ولو أن البرلمان العربي المحترم وسع الدائرة؛ فطرح مشروع إدانة إيران الفارسية على عدوانها السافر على العراق، وتدخلاتها التخريبية في سورية ولبنان واليمن وغزة؛ فهل كان الرفض فقط من جانب ممثِّل العراق (حنان الفتلاوي)..؟ بكل تأكيد لا. كنا رأينا رفض إدانة شديدًا من ممثلي سورية لبنان، واحتجاجات على القرار (غير المنصف) من الحوثيين في صنعاء، ومن تجار (الكضية) في غزة.
هذه هي غزوات العرب اليوم.
غزوات مرتدة، ونزوات مبتزة، تقودها عصابات تتاجر بقضايا العرب، ومليشيات عميلة، باعت ضمائرها أولًا، ثم باعت أرضها وأهلها للفرس المجوسيين ولغيرهم من قوى الشر التي تسعى إلى كسر العرب في عقر دارهم.
من يصدق أننا نعيش الزمن الرديء؛ الذي نرى فيه حثالات محسوبة على أوطانها في ديار العرب؛ تبيع أوطانها لأعدائها، وترضى أن تعيش في خدمة الفرس أجيرة، تحمي مصالحهم، وترحب بعدوانهم على أهلهم.
الحقيقة الثابتة؛ أن كل شيء ذاهب، ويبقى الوطن في سويداء قلوب المخلصين من أبنائه، لا عذر لخونة الأوطان في كل زمان ومكان. الأوطان لا تغفر لخونتها. الخيانة هي الوجه القبيح الذي يهرب منه حتى الفاسدون والعابثون. لا التاريخ يصفح، ولا الأوطان تنسى من خانها حتى في الممات. هل يدرك خونة العرب هذا.
يروى أن وطنًا عربيًا مكلومًا راح يتفقد أبناءه في غفلة من أنفسهم، فلمح من بعيد؛ شابًا على قارعة الطريق يجلس القرفصاء وهو يضع رأسه بين يديه ويبكي ويندب فقال له: ما الذي جرى لحالك يا بني؟ قال الشاب: قلة مروءتي يا وطني وخيانتي لك. قال الوطن: ألم تعلم أيها المعذب؛ أن من لا يملك المروءة؛ يمكنه أن يبيع عِرضهُ وشرفه، كما يمكنه أن يبيع وطنه؟ لأن الوطن هو بمنزلة العرض والشرف للإنسان، ومن هان عليه وطنه؛ يهون عليه عرضه وشرفه.
قال الشاب: قد ظلمني أهلي، وعشت غريبًا بسبب ما ألقاه من أبناء قومي. قال الوطن: قد تختلف مع كل من حولك، وقد يظلمك أهلك، وقد تحيا غريبًا بينهم بسبب ما تلقاه من أبناء قومك وأبناء جلدتك، لكن ما من عرف أو دين أو عقيدة أو فكر؛ يبرر لك خيانة بلدك. قال الشاب الخائن: ها أنا أتحمل وحدي عواقب خيانتي. قال الوطن: أنت ظلمت نفسك وأهلك فوق ظلمك لوطنك وأهل وطنك، وما من شيء يغفر خطيئة خيانة الوطن. قال الخائن: أوهمني الطرف الآخر بالحب والاحترام والتقدير. قال الوطن: مضلل أنت، الذين تخون وطنك من أجلهم؛ ينظرون إليك بالازدراء والاحتقار. هم لا يثقون بك ولا يحترمونك حتى وإن أظهروا لك الاحترام، لأنهم يعلمون أن من يبيع وطنه؛ يبيع أوطان غيره بسهولة. قال الخائن: لم أكن أعي التاريخ جيدًا، ولم أستخلص العبر ممن سبقني إلى مستنقع الخيانة. قال الوطن: لا نريد أن نزعج الأموات في قبورهم، ويكفيك أن تتعلم من الخونة الذين وضعوا أيديهم بأيدي الفرس أعداء أمتك منذ آلاف السنين، فباعوا أوطانهم في العراق وسورية ولبنان واليمن وغزة.. وعسى أن لا يأتي الدور على غيرهم في أوطان عربية أخرى. وقف الشاب وقال: صدقت يا وطني.. ولكن.. ولكن. قال له وطنه المخون منه ومن أشباهه: على كل خائن لوطنه مثلك؛ اللعنة إلى يوم الدين:
أخْلِقْ بمن رَضِيَ الخيانةَ شِيمَةً
أن لا يُرى إلَّا صريعَ حوادِثِ
ما زالتِ الأرزاءُ يلحَقُ بؤسُها
أبداً بغادِرِ ذمَّةٍ أو نَاكِثِ
- قال حكيم: (ضع في مسدسك عشر رصاصات؛ تسع منها للخونة، وواحدة للعدو، فلولا خونة الداخل؛ ما تجرأ عليك عدو الخارج). لولا الخونة العرب الذين رهنوا أنفسهم للفرس؛ من أمثال: (حسن الزبالة) في جنوب لبنان، و(زياد النخالة) في غزة، و(دعي الحوثة) في صنعاء؛ لولا هؤلاء وأشباههم ممن نراهم ليل نهار يرفعون صور الخميني وخامنئي في صنعاء وغزة وجنوب لبنان وفي مدن سورية وعراقية؛ لما كان للوجود الفارسي مكان في بلاد العرب.
من المفارقات العجيبة أن الشعوب الإيرانية تتظاهر ضد طغاتها في طهران، وتحرق صور الخميني وخامنئي، وتدوسها بالأقدام، بينما الولائيون الأذيال يرفعونها ويبوسونها في العراق وسورية وغزة ولبنان وصنعاء. ربي.. هل تكفي تسع رصاصات لكل خائن باع وطنه للصهاينة أو للفرس..
- هذا شاعر فلسطين الكبير: (إبراهيم طوقان)؛ الذي صور حال بعض مواطنيه من خونة الأوطان، الذين باعوا ديارهم في فلسطين قبل سبعة عقود ونيف، ثم ما فتئوا يلقون بجرمهم على الغير، ثم تتكرر المأساة اليوم في دول مثل العراق وسورية ولبنان وغزة واليمن.. يقول:
باعوا البِلادَ إلى أعدائِهمْ طمَعاً
بالمالِ لكِنَّما أوطانَهم باعوا
قد يُعذرونَ لو أنَّ الجوعَ أرغمهم
والله ما عطشوا يوماً ولا جاعوا
وبلغة العار عند الجوع تلفظها
نفس لها عن قبول العار رداع
تلك البلادُ إذا قلتَ اسمُها وطنٌ
لا يفهمون ودون الفَهْم أطماعُ
أعداؤنا منذُ كانوا صَيارفةٌ
ونحنُ منذ هبطنا الأَرضَ زُرَّاعُ
لَمْ تَعكسوا آيةَ الخلاَّقِ بل رجعت
إلى اليهودِ بكم قُربى وأطباعُ
يا بائعَ الأرضِ لم تحفِلْ بعاقبةٍ
ولا تعلَّمتَ أنَّ الخصم خدّاعُ
لقد جنيتَ على الأحفادِ وا لهفي
وهم عبيدٌ وخُدَّامٌ وأتباعُ
وغرك الذهبُ اللماعُ تُحْرزُهُ
إن السَّرابَ كما تدريه لمَّاعُ
فكَّرْ بموتكَ في أرضٍ نشأتَ بها
واتركْ لقبركَ أرضاً طولها باعُ