د.رفعة بنت موافق الدوسري
وصف الفيلسوف الألماني (مارتن هايدغر) اللغة بأخطر النعم؛ «فهي التي تبدأ بخلق إمكانية الخطر، إنها خطر الأخطار جميعا، فبفضل اللغة يجد الإنسان نفسه معرضا للخطر».
ولعل وصفه هذا لا يخلو من نزعة المرحلة، إذ تبوأت اللغة وظائف متعددة على مر التاريخ، لا سيما التاريخ السياسي ومتطلباته المختلفة، التي عرفت باستثمار وتفعيل عناصر التوجيه المتوفرة إما للبناء أو الهدم.
والحال أنها خطر ونعيم، في ظل نشاط المنظمات الحزبية، بتفعيل إعادة صناعة الصراعات الفكرية، في مقابل بحث صناع القرار عن إستراتيجية رديفة، تعين على توجيه المواجهات الفكرية والمادية، عبر استثمار مكتسبات التطور الحديثة، للتعاطي مع القضايا الفكرية والدينية والسياسية في الحقول والفضاءات العمومية.
إذ تغادر اللغة - في هذا السياق- وظيفتها الإبلاغية التواصلية، لتصبح أداة حشد وتوجيه تبثها أجهزة المنظمات السياسية والجماعات الحزبية، فتنزل اللغة أداة مقارعة إستراتيجية محكمة الصنع من الطرفين، في ميادين وفضاءات تواصلية واقعية وافتراضية.
وقد أسهمت وسائل الاتصال الحديثة في تعزيز خلق مضامين رديفة للأنساق التقليدية الموجهة، فمكنت المتلقي من المشاركة في صناعة الأنساق التوجيهية، بعد تفاعله مع أدوات النخب وتقييمها، فأصبح المتلقي –ضمن هذا الفضاء- مرسلا، فهو يستقبل المضامين بوصفها أنساقا منتجة، يتمثلها ويتفاعل معها، لتستوي –بعد إشهارها وتعميمها- نسقا اجتماعيا قارا، يتماهى مع الحقول المختلفة، لا سيما ما يتعلق بالحقول الفكرية والمجتمع والسلطة في مراحل ما بعد التحول والصراعات.
وقد استثمر الساسة اللغة في توجيه الصراعات السياسية بعد الحرب العالمية الثانية، ثم فعلت إستراتيجية توجيهية فاعلة بعد أحداث 11 سبتمبر، في إطار ما يسمى بالقوة الناعمة، إلى أن فعلت مؤخراً في مكافحة التطرف والإرهاب، والمناداة بالاعتدال والسلام على الصعيدين المحلي والدولي، إذ يعد استثمار اللغة في حل الصراعات وصناعة السلام مستوى متقدما من مستويات عمل القوة الناعمة.
فعلى الصعيد المحلي، يمكن التماس نجاعة استثمار توجيه اللغة في توجيه سلوك المجتمعات إلى الاعتدال، لا سيما إذا نهضت على إستراتيجية حوارية تفكيكية، تقابل خطاب العنف والخطر والحزبية، بالدحض والتفنيد والمكاشفة.