تخلى الكثير من الفلاسفة عن أفكاره حين أصيب بداء الحب، فالحب والمنطق لا يجتمعان، ولذلك يُقال إنه ما من تآلف بين الفلاسفة والحب».
لكن هل يعني ذلك أن الكثير من الفلاسفة لم يختبروا الحب؟
الحب المتملك، الحب المُطلق، الحب الأسمى، لمن الحق في تفسير تلك المفاهيم وإنزال فحواها على القلوب التي غرقت في اللامنطق، في الحب.
عند الفيلسوف الإسلامي ابن حزم الحب أوله هزل وآخره جد، فلا تدرك حقيقته إلا بالمعاناة. فلولا المعاناة التي عاشها جان جاك روسو الذي لم يستطع الظفر بمحبوبته لم يصل إلى السمو الفاضل الذي قد يسميه آخرون الهزيمة المغلفة بالسخاء والفضيلة، لقد قال عنها حين أدرك حبها لآخر: «لم أستطع أن أعلم، دون ألم، أنها تعيش في مودة أوثق مع شخص غيري...ومع ذلك فبدلاً من أن أشعر بأي كراهية للشخص الذي تفوق عليّ على هذا النحو وجدت الود الذي أكنه لها يمتد فعلاً إليه، فلقد تمنيت لها السعادة فوق كل شيء وإذ كان هو معنياً بخطتها التي توسلت بها للسعادة، فقد رضيت له السعادة» لقد كانت معاناته هي الفضيلة التي يسعى لها.
إن دونجوانية سارتر الوسواسيّة، أو الغياب الأسطوري للرغبة عند كانط، أو الفشل الذريع المتكرر لنيتشه مع الفتيات الشابات، تعَدّ جميعها حلقات صادمة أو غريبة، قد لا يخرج القارئ لفلسفتهم بمفهوم للحب سوى أنه في الجملة كما قال نيتشه على لسان زرادشت: هل جهزتم أذانكم لسماع تعريفي للحب؟
إنه الشيء الوحيد الذي يليق بفيلسوف، الحب ووسائله هي الحرب، ومبدؤه هو الكراهية القاتلة للجنسين.
حين تتبنى مفهوماً مثالياً ونبيلاً ومتكاملاً عن الحب فاعلم أنك خاسر لا محالة لأنه لن يرضيك شيء بعد الآن، فلذة الحب لا تدوم سوى لحظة أما ألم الحب فيدوم طوال الحياة كما يقول لوكريس.
بالحب نشعر أن وجودنا مبرر كما يؤكد على تلك الفكرة سارتر في وجوديته، وقد سبقه إلى ذلك المعنى كيركيجراد إذ يحكي عن حبه فيقول:
«إذا تعين عليّ أن أصوغ اعترافاً فأنا أعرف تماماً أي اعتراف سأكتب وإذا تعين عليّ أن أكتب سبع أمنيات فأنا لا أعرف إلا أمنية واحدة سأكررها سبع مرات، حتى وإن كنت أعرف أنها ستتحقق منذ المرة الأولى تلك الأمنية تعد قناعتي الأكثر عمقاً وهي أن : لا الموت، ولا الحياة، ولا الملائكة ولا الأمراء، ولا أصحاب النفوذ ولا الحاضر ولا المستقبل ولا الرفعة ولا العمق ولا أي مخلوق على وجه الأرض يستطيع أن يبعدني عنك أو أن يبعدك عني».
الحب قوة الحياة، في المقام الأول، ونحن كائنات حية لذلك فإننا نخضع لأوامر هذه القوة. ومن لم تصبه هذه القوة لا يكون حياً و لا يعد جزءًا من الكائنات الحية.
** **
- د. فاطمة الحارثي