د. عبدالحق عزوزي
التقى قادة 44 دولة منذ أيام في براغ في اجتماع هو الأول في إطار «المجموعة السياسية الأوروبية»، ويشكل هذا التجمع ترجمة لفكرة كان قد أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أيار/مايو الماضي كرسالة عن وحدة أوروبا؛ ويضم دولاً أخرى في القارة إلى جانب الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي (دعيت 17 دولة بالإضافة إلى البلدان الـ27 الأعضاء في التكتل).
ومن بين أهداف «الصورة العائلية» لقادة 44 دولة في قلعة براغ المهيبة التي تهيمن على البلدة القديمة، إحياء الروح المعنوية عند الأوروبيين، في زمن تعيش فيه القارة مشاكل صعبة بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا والبطالة والتضخم وخوف ساكنتها من المستقبل.
وإذ وافق المجتمعون على تقديم الكثير من المساعدات المالية والعسكرية لأوكرانيا، فإنهم لم يفلحوا في تقريب المواقف بشأن ملف أسعار الغاز.
وفيما أعلن الرئيس الفرنسي عن تأسيس صندوق بقيمة 100 مليون يورو، يتيح للجانب الأوكراني شراء المعدات الدفاعية التي يريدها مباشرة من المصنعين الفرنسيين، حذَّر الرئيس كذلك من أن شتاء 2023-24 سيكون الأصعب لناحية تأمين إمدادات الغاز.
صحيح أن جميع الدول طالبت بفرض حد أقصى لأسعار الغاز، إلا أن التفاصيل هي محور الخلاف... وتشمل الخيارات فرض سقف للسعر على كل الغاز، أو سقف لسعر الغاز المستخدم لتوليد الكهرباء فقط، أو سقف لسعر الغاز الروسي فقط.
وناقش التكتل الأمر دون الخروج بنتيجة حتى الآن، لكن دول الاتحاد وافقت على خطوات مشتركة أخرى للمساعدة في تخفيف وطأة أزمة الطاقة الحادة في وقت تهدد فيه الأسعار الجامحة بدفع التكتل صوب الركود.
وقال رئيس الوزراء البولندي ماتيوس مورافيسكي للصحفيين: «الجميع متفقون على أننا نحتاج لتخفيض أسعار الكهرباء لكن لا اتفاق على الوسائل التي يمكننا بها الوصول لتلك الغاية تحديداً».
وأنا أكتب هاته الأسطر، تعيش دول أوروبية مثل فرنسا مثلاً من شمالها إلى جنوبها على وقع شلل شبه كلي من جراء محطات وقود مغلقة، وطوابير لا نهاية لها، وارتفاع في الأسعار إضافة إلى انخفاض في معنويات السائقين. الأمر الذي أجبر الحكومة الفرنسية التي تعرضت لانتقادات على اتخاذ التدابير اللازمة من أجل إيجاد حل للوضع السائد. ويأتي كل هذا فيما تشهد البلاد منذ أسابيع عدة إضرابات في مصافي التكرير ومستودعات الوقود بدعوة من النقابات العمالية التي تطالب بزيادة في الأجور بسبب التضخم في البلاد وغلاء المعيشة.
وفي بريطانيا، عادت الإضرابات إلى مناطق متفرقة من المملكة المتحدة السبت بعد نهاية فترة الحداد على الملكة إليزابيث، وأحدثت اضطرابات في حركة القطارات. وقد أعلن موظفو السكك الحديدية إضرابًا السبت لمدة 24 ساعة للمطالبة بزيادة أجورهم في مواجهة التضخم؛ كما أنه في اختتام مؤتمر حزب المحافظين في بيرمينغهام، سعت رئيسة الوزراء البريطانية ليز تراس إلى طمأنة أعضاء حزبها بتبني خطاب يتجه نحو الليبرالية، غير أن ذلك لم يكف لرفع نسبة شعبيتها ولم يكف لرأب الانقسام الحاد داخل البيت اليميني.
كما أنه في إسبانيا، بلغ معدل التضخم 10.2 في المائة في يونيو، وهو أعلى مستوى منذ ما يقرب من 40 عامًا، إلى درجة أن طلبات المساعدة الغذائية تضاعفت في غضون أشهر قليلة.
وبالرجوع إلى موضوعنا، فإنه لا جرم أن وراء الابتسامة التي أبداها قادة الدول الـ 44 في الصورة الجماعية في إطار «المجموعة السياسية الأوروبية» هناك تخوفات وخلافات بين أعضائها... فهناك بلدان لا تشارك نظيراتها في الرسالة الوحدوية نفسها التي دعا إليها الرئيس الفرنسي؛ وهناك بلدان تتبع مسارات مختلفة حيال الاتحاد الأوروبي، من النرويج إلى أوكرانيا وسويسرا وتركيا وبريطانيا ومولدافيا وصربيا وأذربيجان...
فليس هناك أي قاسم مشترك بين الدول المرشحة المعلنة وتلك التي تدرك أن الباب مغلق أمامها لفترة طويلة، وبريطانيا التي اختارت قبل ست سنوات مغادرة سفينة الاتحاد الأوروبي وخلق مسيرة أحادية بعيدة عن إملاءات المؤسسات الأوروبية...
ويقيني أن «المجموعة السياسية الأوروبية» لن تدوم لفترة طويلة، بمعنى أنها ستنضم إلى اللائحة الطويلة للمشاريع قصيرة الأمد في القارة مثل «الكونفدرالية الأوروبية» التي اقترحها في 1989 الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران؛ كما أنها إذا كتب لها البقاء، فستكون مؤسسة فارغة من دون قرارات ولا حضور إقليمي أو دولي.