مها محمد الشريف
الوصول للقمة ليس بالأمر الصعب ولكن الأصعب أن تحافظ عليها إذا لم تواصل تحقيق النجاحات والابتكارات والتقدم التقني والعلمي، ولعل ما يحدث بالعالم اليوم يظهر صراعاً محتدماً على القمة، فأمريكا لم تعد الأقوى بالعالم اقتصادياً وعسكرياً، فبعدما اتحدت وكونت 50 ولاية عاشت سنوات طويلة من التطور والتقدّم والتفرّد بأغلب المجالات، لكن ذلك بدأ يتغير بعد ظهور أقطاب جديدة.
ومن ثم نقلوا العنف إلى الخارج ومعه التحديات إلى شرق آسيا وغربها وأوروبا الشرقية، كتب عن هذه التحديات ريتشارد ساكو قائلاً، بكل ما ينطوي عليه المنطق من صواب، إن الحرب الروسية الجورجية في العام 2008 كانت أول الحروب الهادفة إلى وقف توسع الناتو، والثانية كانت الأزمة الأوكرانية عام 2014، ومن غير الواضح ما إذا كانت الإنسانية ستنجو من الثالثة»؟، وقد حذَّر كثير من الشخصيات البارزة الغربية منذ زمن من توسع الناتو ويعتبروه «خطيئة مأساوية» وانضم لهذه الأصوات كبار الساسة الأمريكيين في رسالة مفتوحة تصف ذلك التوسع بالإرهاب السياسي ذي الأبعاد التاريخية.
أمام هذا التصعيد يتحدث إستراتيجيو أمريكا عن مستقبل الإمبراطورية الأمريكية أو عن أعمدة السلام العالمي بكل صعوبة لوجود ثلاثة أقطاب تمثِّل أمريكا وروسيا والصين، رغم التعارض الكبير الذي ترفضه لبناء نظام عالمي مثلث الأقطاب، ولكن رغم الحروب التي تشعلها سيحكم المستقبل من يملك القوة العسكرية والقوة الاقتصادية ثم القوة الديموغرافية.
سوف لن تتغيّر إدارة اللعبة في أروقة البيت الأبيض كثيراً أمام هذا العنف المستفحل، فالفوضى كما كانت صناعة أمريكية يرونها الحرب المعممة والمنظمة التي تحقق نصراً مؤزراً بلا حرب، وطبّقت في دول الشرق الأوسط، فالإدارات السابقة للبيت الأبيض أدخلت أمريكا في حروب مكلفة وخسائر في الأموال والأرواح بدون مقابل سياسي أو مادي، فحرب العراق قالوا من أجل امتلاكه أسلحة الدمار الشامل وتبيَّن لاحقاً أن العراق ليس لديه أسلحة دمار شامل، حرب كلَّفت واشنطن الكثير بما يقارب 8 ترليونات دولار وأكثر من 4000 قتيل أمريكي، واستخدام العقوبات الاقتصادية ضد الدول.
ولكن اليوم تختلف الأحداث وتتباين وتتناقض فإما أن يتحالف هذا الثلاثي لبناء نظام عالمي مثلث الأقطاب، وإما أن يتصارع هذا الثلاثي كما هو الحال اليوم، والرفض يجعل أمريكا تقف أمام اتجاهات محتملة أو خيار من خيارين: وهما التكامل والترابط بين الغرب والهند والصين وروسيا، أو قبول عودة روسيا إلى المسرح العالمي بعد مسألة أوكرانيا.
أنه من العسير أن تعالج هذه المفارقة معالجة جدلية، فالأحداث تتغيَّر وخاصة بعد أن ضمت روسيا جزيرة القرم، فقادة الاتحاد الأوروبي استمروا في مكافحة التمدد الروسي الجديد كما يقولون، بوصفه مسؤولية حماية، وبوتين أغلق كل الأبواب لأي تفاهم أو تحالف مع الغرب الأطلسي الأمريكي، بينما لعبت أميركا دوراً محورياً ورسمت خطوط المواجهة ومارست كل الوسائل لتأجيج أوكرانيا وتشجيعها على الحرب، وجيَّشت كل أوروبا لهذه الأزمة حتى أصبحت المسألة أشد تعقيداً، ولم تكتف أمريكا بتحريض أوروبا على روسيا، بل واصلت إلى تايوان ضد الصين وباكستان ضد الهند، فهي الرابح الأكبر إزاء كل ما يجري وهذا ما عبَّر عنه الواقع والناس، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اعتبر أن الحملة العسكرية مستمرة إلى إن تحقق موسكو أهدافها.