سارا القرني
تضجّ ساحة الإنترنت ببرامج التواصل الاجتماعية، منها ما يُثري العقل ومنها ما يُغني عن قطع المسافات للتواصل مع الأقارب والأصحاب بعيداً عن الاتصالات التقليدية، ومنها ما تقطع معه الوقت دون ملل سواءً بالقراءة أو الاستماع إلى كثير من المحتويات الجميلة والمفيدة.
وفي ذات الوقت تمتلئ الساحة ببرامج صوتية أو مرئية يتحدث فيها مجموعة من الأشخاص مثل مساحات تويتر أو الدردشات الصوتية التي ملأت إعلاناتها الترويجية الأفق، وأصبح وجودها في أي هاتف أمراً طبيعياً وعادياً بعد أن كنا نتوجس منها خيفة، لكنها صارت من أساسيات كثير من الأشخاص وفي هواتفهم المحمولة بمختلف أنواعها.
وجود هذه البرامج أو عدمه لا يهمني شخصياً.. فكلّ إنسان مسؤول عمّا يريد وما يقرر، ما يهمني هو امتلاؤها بالملحدين أو اللا أخلاقيين أو المنحلين المحسوبين على الانفتاح المعتدل، وعن نفسي لم أجرّب أياً من هذه البرامج.. يكفي أن أدخل اليوتيوب وأجده مملوءاً بالمقاطع التي تعطيك نبذةً عن الحال لتشخصه تشخيصاً أولياً، ثمّ تتعمق فيه بمقطع بعد الآخر لترى من العجائب والغرائب ما يندى له الجبين وتشيب من أجله الرؤوس.
نحن في كلّ صلاةٍ نقول «يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك».. ونبذل من أجل ذلك الأسباب لعلّ الله أن يستجيب ويثبّتنا، لكنّي وبصراحةٍ أقول إنّ من الأسباب التي ينبغي أن نبذلها هو الابتعاد عن بعض هذه البرامج.. ووضع قيود على المراهقين الراغبين في استخدامها.
لستُ أتكلم بلسان الزمن الماضي وأتشدد في أمرٍ هو حرية شخصية يكفلها القانون لكلّ فرد على هذه الأرض، لكنني أتكلم بلسان المتفاجئة مما يحدث في هذه البرامج، الفتاوى أصبحت مجانية، والعبث في التاريخ وتزييفه صار سهلاً، والخوض فيما لم يخض فيه إلا العلماء واختصوا به.. صار متاحاً كبضاعةٍ معروضة على قارعة الطريق، وأعظم من ذلك هو من يستمع بحرص ويتلقى المغالطات تلو المغالطات بقلبٍ قابل وعقلٍ مُعمَّى، غيّبته الدهشة الأولى عن إعمال المنطق والعقل، وأخذه سحر الربط بين التفسيرات والأحاديث والمعاني المختلقة زوراً للآيات وإقحام أشياء في التفسير ليست منه ولا فيه، من نظريات ومتغيرات، والأخذ من بعض التفاسير التي قيل عنها إنّ فيها كلّ شيءٍ غير التفسير، وكلّ فريقٍ في تلك البرامج يحاول أن يثبت قوله، ولكلّ فريقٍ مناصرون في مرتبة المريدين.
الدينُ أعظمُ ما نخاف عليه ثمّ تأتي من بعده كلّ الأشياء، فما بال شبابنا وبناتنا يجلسون في مجالس تُغيّر فيها المفاهيم والمعتقدات، وما بال أهليهم لا يحرصون عليهم كلّ الحرص حتى لا يكونوا عرضةً للسقوط في فخّ (الانفتاح الزائف)، فالانفتاح محمودٌ بضوابطه وقوانينه، أما ما تروّج له بعض البرامج وتتخذه منهجاً فإنه مقيتٌ لا يورث إلا البوار.
في بعض البرامج نواجه شيئاً من طلبات توثيق الحساب توثيقاً مبدئياً ليُعرف صاحبه عند الجهات المختصة، مثل رقم الهاتف أو البريد الإلكتروني، لكنني أتمنى أن يكون التوثيق برقم الهوية الوطنية لا برقم الهاتف فقط، كي يلزم كلّ امرئٍ حدّه، فلا يتطاول مارقٌ على الدين، ولا منشقٌ على الوطن، ولا منحلٌ على الأخلاق، والأهمّ.. أن يعود المندسّون إلى جحورهم.