عطية محمد عطية عقيلان
يعتبر ثابت بن جابر الملقب بـ»تأبط شراً» من شعراء العصر الجاهلي، وهو من طبقة الصعاليك، الذين اعتزلوا قبائلهم وعاشوا في الصحراء على الصيد والغزو، وكان أشهرهم، عروة بن الورد وسليك بن السلكة، والشنفري.. وغيره، ومات والده وهو صغير، عاش حياة التشرد والفقر مع ابن خالته الشنفري، وكانوا يغيرون على القبائل، واشتهر بالشجاعة والإقدام وفصاحة اللسان وقوة الجسم، وتعددت الروايات عن سبب لقبه، ولكن أكثرها منطقية، هو أنه كان دائماً يضع السيف تحت إبطه، وكان من شجاعته وإقدامه، أنه يغزو وحيداً على قدميه متأبطاً سيفه، وكانت حياته مليئة بالمغامرات، وكان أسطورة وشاعت أخباره بين العرب بشجاعته وقوته وفصاحة لسانه، وعرف عنه أنه كان يغزو ليساعد الفقراء والمساكين، مثل النسخة اللاحقة منه في الغرب «روبن هود»، ومن القصص التي تروى عنه، أن أمه تزوجت أبو كبير الهذلي، وكان كلما صادف تأبط شراً، يخاف منه، وقال ذلك لأمه، وأنه يخشى منه، فقالت أحتل عليه بحيلة لتقتله، فقام أبو كبير باصطحابه للغزو، واتفق مع جماعة لقتله، وكانوا ينتظرون في بيت على قارعة الطريق، وعندما اقترب من البيت ورأى النار منها، ادعى أبو كبير بأنه جائع، وطلب من تأبط شراً أن يأتيه بالطعام من تلك الدار، والتي كانوا ينتظرونه القتلة فيها، وذهب، وحاولا قتله ولكنه تمكن منهما وقتلهما، وعاد بالطعام، وقال لقد قتلت الشخصين بالدار وجئت بالطعام، ليزداد خوف أبو كبير، ويقتنع بأنه لا حيلة معه سوى مصاحبته واسترضائه، واستمر في حياة الصعلكة، وله مهابة ويثير الرعب، ويروى أن مقتله، أنه خرج مع نفر من الصعاليك لغزو بني نفاثة من كنانة، وأنه تبع أثر غلاماً ليقتله، واختبأ الغلام حتى قرب منه تأبط شراً، وكان معه سهم ضربه به فأصاب قلبه، ولكنه وصل للغلام وقتله بالسيف، واستطاع أن يصل لقومه ولكنه مات، فتركوه وانطلقوا، ورغم ما يتصف به الصعاليك من الشجاعة والإقدام والفروسية والشعر، ولكن تبقى بهم صفات سيئة نتيجة سوء ما يقومون به من سرقة وغزو وسلب واعتداء على الآخرين.
ولم تنقطع سلالة الصعاليك بصفاتهم السيئة، فنحن نصادف أثناء حياتنا عشرات أو مئات من نوعية «تأبط شراً»، ولكنهم بلا سيوف أو جياد أو شجاعة إو إقدام أو فروسية أو فصاحة، ولكنهم «متأبطون هواتفهم» الجوالة، متسلحون بحساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، يستخدمونها حسب أخلاقهم وقيمهم وضمائرهم، تجد البعض «من طبقة صعاليك التواصل الاجتماعي» يغير ويهجم على الآخرين دون خوف أو رادع أخلاقي، يجيد توزيع التهم والتشكيك بهم، يحارب الناجحين ويتصيد أخطاءهم، لا يعجبه شيء، يركز على السلبيات، ويستمتع في كشف عورات الناس والإسقاط عليهم، شجاعته يستخدمها بأصابعه دون ضمير، مقدام على نشر الإشاعات والتهم، لا يهاب من ظلمه للآخرين والتبلي عليهم والإساءة لهم، والبعض تبقى ذكراه كالصعاليك وتأبط شراً، لكن دون شجاعة وفروسية وإقدام حقيقي أو فصاحة أو شعر، ولكنه أعجب بصفاتهم السيئة من سلب ولصوصية واتهام الآخرين بالكذب والزور والبهتان، دون رادع أخلاقي أو قيمي، ولكن نذكرهم بأن خاتمة «تأبط شراً» رغم جبروته كانت على يد غلام، وتركه جماعته مقتولاً، وانطلقوا للبحث عن ضحايا آخرين، فلتكن رادعاً لنا جميعاً، أن نحكم ضمائرنا عند استخدام حساباتنا في وسائل التواصل الاجتماعي، ونتأبط أجهزتنا، بعدم استخدامها في الشر والرعونة وتوزيع التهم والتنظير على الآخرين، ولتكن شاهداً لنا بالخير وليس علينا بالشر.
خاتمة: ليس من الصعوبة أن تترك أثراً إيجابياً وأن تتأبط الخير وتنشر المحبة على قدر المستطاع، ولا تستصغر عملاً أو قولاً أو جهداً، ينشر التفاؤل والفضيلة والخير، يقول الروائي الإنجليزي تشارلز دينكز «حتى أضخم الأبواب مفاتيحها صغيرة».