تُعدّ التقنية اليوم من أقوى روافد التنمية المستدامة للأمم والحضارات، فإذا ما صاحبها فكرة تخدم المجتمع وتؤدي إلى تطويره وتنميته وشحذ همم أفراده وتوسيع دائرة تكافله ومنافعه كانت جديرة بأن تُبرز للمجتمع وتوظّف لخدمة أفراده ونقلهم إلى حيث يطمحون.
ولعل من الأفكار التي أحسبها جديرة بعناية ذوي الاختصاص وأهل الحل والعقد في وطننا المبارك:
المنصة الوطنية للإطعام (إطعام).
وتقوم فكرتها على حفظ، توجيه واستثمار الطعام الزائد عن حاجة أصحابه سواء كان في مناسبة كبيرة أو صغيرة، أو ناتج عن اقتناء أشياء ثم ملاحظة أنه لا حاجة لمن اقتناها بها، أو ربما سفر العائلة لمدة طويلة لا يرغبون في بقاء بعض الأطعمة إلى حين عودتهم، أو الطعام المتاح في العزاء، وفي بعض المحافل الرسمية، وبعض المسابقات، أو ما يوجد في بعض المستودعات الغذائية مما تبقى على تاريخ انتهائه مدة محدودة ليُستفاد منه قبل نهاية تاريخ صلاحيته، أو ما يفيض من المخابز ومحلات إعداد وبيع الطعام الجاهز، أو ما يترتب على الكفارات من إطعام المساكين. أو ما يتبقى من البوفيهات المفتوحة في المطاعم ونحوها، أو ما يفيض عن حاجة المستفيدين في حملات الحج والعمرة.
كل هذا وغيره ينتج عنه كميات طعام نظيف لذيذ يتمناه كثيرون ممن لا تتوافر لديهم الإمكانات المادية أو المعنوية للحصول عليه والوصول إليه، ولا يتهيأ لصاحب الطعام وقت وطريقة مناسبة لإيصاله لمن يستفيد منه؛ فوجود منصة إطعام يتيح لمن لديه طعام زائد الإشارة إليه في المنصة ليقوم من يحتاج إليه من الأفراد، أو حتى المؤسسات في حال -المناسبات الكبيرة- باستلامه من خلال التنسيق في المنصة، والعناية به من تغليف وتبريد ونحوه وتوجيهه إلى مستحقيه للاستفادة منه؛ مما يكفل حفظ النعمة؛ إذ إن حفظها وشكرها مظنة دوامها وزيادتها، ويقضي حاجة المتعففين الذين يُشكّل عندهم هذا الغذاء قيمة صحية ومادية كبيرة.
إن في هذا قيمة شرعية كبيرة: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا }، وقيمة اقتصادية بحفظ الموارد الغذائية من الهدر والتلف والفساد.
كما تتجلى فيه قيمة اجتماعية كبيرة بتحقيق التكافل الاجتماعي بين المحتاجين والقادرين، إلى جانب حفظ الوقت والجهد في البحث عن المحتاج، وحفظ ماء الوجه للمتعففين -حيث يمكنهم الحصول على ما يحتاجونه دون أن يعرف أحد حاجتهم إذ إن ذلك مطلب عند كثيرين ممن تحسبهم أغنياء من التعفف.
وقيمة نفسية بشعور صاحب المبادرة بالسعادة البالغة وهو يحفظ النعمة ويقضي حاجة الآخرين، واطمئنان المحتاج نفسياً على توفر احتياجاته واحتياج من يعول مما يحقق له ولأسرته استقراراً نفسياً.
إن طموحنا أن تتطور هذه المنصة الوطنية لتكون منصة عالمية تخدم الباذلين والموسرين والمحتاجين في سائر أنحاء العالم فتكون المنصة العالمية للإطعام، ليتم حفظ الأرقام الهائلة من أطنان الطعام التي تُهدر سنوياً على مستوى العالم.
فحفظ النعمة مظنة دوامها وزيادتها، وهو من التعاون على البر والتقوى، ومن تحقيق الانتماء الوطني ومن الريادة العالمية التي ينشدها الطامحون،كما أنه محطة مهمة جداً في تحقيق الأمن الغذائي العالمي، وأيقونة شاغرة في منظومة الخدمات الرقمية في الحكومة الإلكترونية.
أسأل الله أن يحقق الخير والنماء لوطننا الغالي ولسائر الأوطان الخير والسلام.