خالد بن حمد المالك
لأمريكا أصدقاء وحلفاء كثر، صداقات تمتد إلى عقود، وتحالفات في مواقف عدة، وقد سادها أحياناً التباين في وجهات النظر، بل وفي المواقف، تبعاً لرؤية كل دولة، ومصلحة كل جانب، وفي الأغلب تكون هناك رؤية مشتركة في المواقف حين تلبي مصلحة أمريكا مع مصلحة الطرف الآخر.
**
علاقات المملكة مع أمريكا تحكمها المصالح، وترتكز على استقلالية المواقف، وتحدد أبعادها نظرة كل دولة، وهي بالنسبة للمملكة تقوم على قاعدة أن التباين في المواقف لا يفسد للود القائم بين الدولتين قضية، وإن أخذت واشنطن على خاطرها من بعض المواقف السعودية التي لا تتفق معها، مع أن طبيعة العلاقات الدولية هي هكذا تمر أحياناً بين مد وجزر.
**
والمطلوب من واشنطن أن تعيد التفكير في مواقفها، وأن تراجع بعض سياساتها، كلَّما استجدت أحداث، أو مرت علاقاتها مع غيرها بما يستوجب ذلك، لأن المكابرة، والتعالي، والإملاءات بحكم القوة، لا تؤدي إلى تجاوز الخلافات، بل إنها قد تفضي إلى فتور في العلاقات، ما لا نراه في مصلحة أمريكا وحلفائها.
**
في العلاقات السعودية الأمريكية لا بأس من إعادة مراجعتها، لكبح جماح واشنطن في خروجها المتكرر عن مرتكزاتها، وافتعال الخلافات غير المبررة، ومحاولة الاستقواء بما يخالف الأسس التي بُنيتْ عليها الصداقة السعودية- الأمريكية، كما حدث مع افتعالها لخلاف مع المملكة بعد توافق تحالف أوبك بلس على تخفيض إنتاج النفط بمليوني برميل يومياً.
**
المملكة دائمًا تتعامل مع المواقف الأمريكية ذات الصبغة الخلافية من الجانب الأمريكي بكثير من الهدوء والرزانة، والتعامل بالحكمة، واستخدام العقل، مع أن للمملكة عتبًا يتكرر على أمريكا في كثير من مواقفها المضرة بالمملكة، رغم الصداقة التاريخية، والتحالف الإستراتيجي بين الدولتين على مدى أكثر من ثمانين عاماً.
**
وحتى نضع النقاط على الحروف، لدينا الكثير من الشواهد، ومنها قيام إدارة الرئيس جو بايدن برفع تصنيف أمريكا للحوثيين على أنها منظمة إرهابية، وكأن واشنطن تدعم العدوان الحوثي على المملكة بهذا القرار، ولا تمانع من استمرار الحوثيين في الاستيلاء على جزء من الأراضي اليمنية بما فيها العاصمة صنعاء، مع وجود نظام شرعي، ودعم دولي له.
**
أيضاً ماذا فعلت أمريكا أمام رفض الحوثيين تجديد الهدنة، مع أن عدم تجديدها فيه ضرر على المملكة ودول المنطقة واليمن، رغم أن هناك اتفاقًا دوليًا على أهمية هذه الهدنة، وصولاً إلى بدء حوار ينهي هذه الأزمة التي تمولها وتدعمها إيران بمعرفة أمريكا التي لا تمارس أي ضغوط لمعالجة هذه الأزمة، وهي الدولة العظمى القادرة على ذلك.
**
هل تريدون أكثر؟، تابعوا الموقف الأمريكي في عهد الرئيس بايدين من المفاعل النووي الإيراني الذي يحرص البيت الأبيض في الوصول إلى اتفاق مع إيران، مع ما فيه من ضرر على المملكة ودول المنطقة، لولا الموقف الإسرائيلي الذي حدَّ من الاندفاع الأمريكي للعودة إلى الاتفاق، وأوقف تساهل البيت الأبيض في بعض أسباب انسحاب الرئيس السابق ترامب من الاتفاق، وما تلاها من عقوبات.
**
ألم يكن موقف أمريكا -وهي الحليف التاريخي والإستراتيجي للمملكة- صادماً أمام إطلاق الصواريخ والمسيَّرات على منشآت أرامكو التي تتهم إيران بضلوعها في الحادث الإجرامي، مع أن توقف المنشآت يخفض الإنتاج بالقوة العدوانية، ومثلها الصواريخ والمسيرات الإيرانية التي يطلقها الحوثيون من اليمن على المدنيين والمطارات والأسواق في عدد من مدن المملكة.
**
وهناك حزب الله الذراع الإرهابي القوي بالمنطقة الذي تموله إيران، ولا من حراك أمريكي للتعرف على خطورة هذا التنظيم على المملكة ودول المنطقة، فهو موجود بعناصره في سوريا واليمن، وأينما تكون هناك مصلحة لإيران في خلق وزعزعة الأنظمة، وإرباك الأمن في الدول.
**
ولن نتحدث عن العراق ودور الولايات المتحدة الأمريكية في تسليمه لميليشيات تدين الولاء لإيران، على حساب مصلحة الشعب العراقي، وعلى حساب إبعاده عن محيطه العربي، وفي هذا ضرر على المملكة، حيث تتقاسم معه الحدود، وقبلاً عن ضرر ذلك على باقي دول المنطقة، حيث تسعى طهران إلى التمدد، وهي التي تحتل الجزر الإماراتية، وهي من تعلن بأن لها أربع عواصم هي: بغداد وبيروت وصنعاء ودمشق، إلى جانب طهران.
**
مَنْ الذي خرق ويخرق العلاقة بين الدولتين، ويعمل على الإضرار بالآخر واشنطن أم الرياض، ومن الذي يفتعل الخلافات بأسباب ومبررات لا يصدقها العقل، الرياض أم واشنطن، وكما تدعي أمريكا (خطأً) بأن المملكة تمارس الاصطفاف مع روسيا في حربها مع أوكرانيا، أليس من حق الرياض أن تقول إن واشنطن تصطف مع الحوثيين وحزب الله وإيران ضد مصالح المملكة ودول المنطقة؟
**
هذه أمثلة، شواهد، وهناك غيرها كثير، فمن مصلحة الدولتين أن تحافظا على الصداقة، وأن تتمسكا بالتحالف، وأن يتم احترام وجهات النظر لكليهما، بما يلبي المصالح المشتركة.