عمر إبراهيم الرشيد
يروى عن الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور أن ذبابة أضجرته فسأل عمن بالباب من العلماء، فقيل له سليمان بن مقاتل ينتظر الدخول عليه، فأمر بإدخاله ولما حضر سأله أبو جعفر فقال ( لماذا خلق الله الذباب؟ فأجابه العالم قائلاً : ليذل الله به الجبابرة ). حضور الذهن بسرعة الرد والجواب وسرعة البديهة ملكة لاتتوفر للكثير من البشر، وصحيح أنها نتاج تحصيل معرفي وقوة ذاكرة إلا أنها موهبة مع تربية نفسية واجتماعية أي أن الأسرة كذلك لها دور مؤثر في هذا الجانب.
هنا أستحضر نماذج لشخصيات عامة وسياسية سعودية وعالمية، فقد لفت الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة بسرعة ردوده وقوتها وقوة ذاكرته أنظار الصحافة العالمية، وهذا كما قلت أمر طبيعي وهو سليل أسرة عرفت بمزايا عديدة تتعلق بصفات الحكم والملكية، وقد قيل ( اللهم همة الملوك ) إلى جانب قوة الذاكرة وحضور البديهة كما قلت، وهذه وغيرها سمات الحكام والملوك البارزين منذ فجر التاريخ ( والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم).
وقد سأل صحافي من وكالة رويترز مؤخراً الأمير عبدالعزيز بن سلمان عن مسألة تتعلق بالنفط فرد عليه الأمير بأنه يرفض الإجابة لأن وكالة رويترز كتبت ادعاءات مغلوطة عن المملكة في هذا الجانب، وذكر الأمير بأنه سبق وقابلته زميلة الصحافي من رويترز واستغرقت المقابلة خمساً وعشرين دقيقة - انظر إلى دقة الأمير وهو الغارق في عمله وارتباطاته - وبسبب تلك الادعاءات المكذوبة فقد رفض الأمير الإجابة على أسئلة الصحفي و الوكالة.
ولذلك فإن من أهم المهارات في الشخصية القيادية أيا كان موقعها هي مهارة التواصل والتخاطب والقدرة على حسن التعبير وإيصال المعلومة والمعنى إلى جانب إتقان لغة الأرقام، مع سرعة البديهة كما قلت.
وهناك من عرف بقوة الرد وحضور البديهة من الكتاب ومنهم الكاتب الإيرلندي جورج برنارد شو حين كان يلقي محاضرة فجاء دور الأسئلة من قبل الحضور، فكتب أحدهم على ورقة كلمة (حمار ) ليهين بها الكاتب فرد عليه الكاتب قائلاً ( هناك من كتب اسمه ونسي أن يكتب السؤال ).
ومن حضور البديهة كذلك مثال تاريخي، ففي معركة القادسية أتى المسلمون بقائد الفرس الهرمزان إلى الفاروق رضي الله عنه، فعرض عليه الإسلام أو أن يقتل فرفض الهرمزان وطلب قبل أن يقتل شربة ماء، فلما أحضروا له الماء قال لعمر رضي الله عنه ( هل أنا في أمان حتى أشرب هذا الماء؟ ) فرد عليه عمر بنعم، فأراق الماء كله وقال : العهد ياعمر، أي يريد الأمان طالما لم يشرب الماء، قال له عمر : لك الأمان، فنطق الهرمزان بالشهادتين تأثراً بموقف عمر ووفاء المسلمين بعهودهم دلالة صدق رسالة الاسلام, هي ملكة يؤتيها الله بعض البشر وليس كل من تعلم وحمل شهادة عليا قادرٌ على سرعة الرد وحضور البديهة.
بل إن كثيراً من المخترعين والمفكرين قليلو الكلام، والمعروف عن أمير الشعراء أحمد شوقي بأنه نادراً ما يلقي قصائده بنفسه وقليل الكلام وأقرب إلى الإنطواء، وقد قال علي رضي الله عنه ( إذا تم العقل نقص الكلام ) إلى اللقاء.