المرأة: أم وأخت وبنت وزوجة وقريبة وبعيدة وجارة، مع الرجل، أو ضده، له أو عليه، فيها تلك الصفة أو ضدها، نصف المجتمع، وقد تزيد قليلاً في العدد أو تنقص، وقد تكون أهم من الرجل في بعض جوانب الحياة في المجتمع، وقد تكون محور الأمر، وقد تكون على هامشه وأطرافه.
ولمقام المرأة هذا جاء عنها في التراث العربي شيء كثير، وهي في ذلك مثل الرجل لم يدون إلاَّ ما كان طريفاً أو مدهشاً، وفي النصوص التي نسوقها سوف تظهر بعض الصفات والطبائع، وسوف نرى مواقف للمرأة في المجتمع، بعضها حقيقي، وبعضها رمز، بعضها حدث، وبعضها خيال، بعضها من الحياة، بعضها خرافة، وما سوف نسوقه قليل من كثير مما تغص به كتب الأدب والتاريخ العربي.
لما بلغ الحارث بن عمرو، ملك كندة، جمال ابنة عوف بن محلم الشيباني، وكمالها، وقوة عقلها، دعا امرأة من كندة يقال لها: عصام، ذات عقل ولسان، وأدب وبيان، وقال لها: اذهبي حتى تعلمي لي علم ابنة عوف، فمضت حتى انتهت إلى أمها، وهي أمامة بنت الحارث، فأعلمتها بما قدمت له.
فأرسلت أمامة لأبي ابنتها، وقالت: أي بنية! هذه خالتك، أتتك لتنظر إليك، فلا تستري عنها شيئاً إن أرادت النظر من وجه أو خلق، وناطقيها إن استنطقتك، فدخلت إليها، فنظرت إلى ما لم تر قط مثله! فخرجت من عندها وهي تقول: «ترك الخِداع من كشف القناع» فأرسلتها مثلاً، - وهو مثل يضرب للأمر يظهر مكنونه-، ثم انطلقت إلى الحارث، فلما رآها مقبلة قال لها: «ما وراءك يا عصام؟»، قالت: «صرح المخضُ عن الزبد»، -وهو مثل يُضرب للصدق يحصل بعد الخبر-، رأيت جبهة كالمرآة المصقولة، يزينها شعر حالك كأذناب الخيل، إن أرسلته خلته السلاسل، وأن كشطته قلت: عناقيد جلاها الوابل، وحاجبين كأنما خطا خطا بقلم، أو سودا بحمم، تقوسا على مثل عين ظبية عبهرة -العبهرة: الناصعة البياض، والفتاة الجامعة للحسن خلقاً-، بينهما أنف كحد السيف الصنيع حفت به وجنتان كالأرجوان في بياض كالجمان، شق فيه فم كالخاتم، لذيذة المبتسم، فيه ثنايا غر ذات أشر تقلب فيه لسان، ذو فصاحة وبيان، بعقل وافر، وجواب حاضر، تلتقي فيه شفتان حمروان، تجلبان ريقاً كالشهد إذا دلك، في رقبة بيضاء كالفضة، ركبت في صدر كصدر تمثال دمية، وعضدان مدمجان، يتصل بهما ذراعان، ليس فيهما عظم يُمس، ولا عرق يجس، ركب فيهما كفان دقيقان قصبهما لين عصبهما، تعقد إن شئت منهما الأنامل...» فأرسل الحارث بن عمرو إلى أبيها خاطباً فزوجه إياها.
هذه امرأة ذات عقل ولسان وأدب وبيان، كُلفت بأمر فادته على أكمل وجه، وعادت إلى من أرسلها بالخبر اليقين.