«الجزيرة» - الاقتصاد:
سلط أحدث تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي، بعنوان آفاق الاقتصاد العالمي، الضوء على تفاقم حالة عدم اليقين فيما يتعلق بآفاق الاقتصاد العالمي مقارنة بالتوقعات السابقة. وركزت الوكالة على العديد من التحديات الرئيسية التي تواجه العالم في الوقت الحالي بما في ذلك الصراع الروسي الأوكراني والتداعيات واسعة النطاق للتدابير المتخذة لمواجهته، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة، وتزايد معدلات التضخم في الاقتصادات الرئيسية بمستويات أعلى من المتوقع، وتباطؤ نمو الاقتصاد الصيني على خلفية تفشي فيروس كوفيد -19 وتدابير الإغلاق المرتبطة بذلك.
وأبقى صندوق النقد الدولي على توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي للعام 2022 دون تغيير عند نسبة 3.2 في المائة، إلا أنه قام بخفض توقعات النمو للعام 2023 بمقدار 20 نقطة أساس لتصل إلى 2.7 في المائة. ويمثل ذلك أضعف أنماط النمو منذ العام 2001 باستثناء فترة الأزمة المالية العالمية والمرحلة الحادة لتفشي جائحة كوفيد-19. كما تم خفض توقعات النمو لكل من الاقتصادات المتقدمة والأسواق الناشئة والاقتصادات النامية. وشهدت توقعات النمو للاقتصادات الناشئة والاقتصادات النامية مراجعة تصاعدية بمقدار 10 نقاط أساس للعام 2022 ليصل بذلك معدل النمو المتوقع إلى 3.7 في المائة، إلا أنه تم خفض توقعات النمو للعام 2023 بمقدار 20 نقطة أساس مع توقع أن يصل معدل النمو إلى 3.7 في المائة العام المقبل. من جهة أخرى، تم خفض توقعات نمو الاقتصادات المتقدمة بمقدار 10 نقاط أساس إلى 2.4 في المائة للعام 2022 وبمقدار 30 نقطة أساس للعام 2023 لتصل إلى 1.1 في المائة.
ويتوقع صندوق النقد الدولي ارتفاع معدل التضخم العالمي من 4.7 في المائة في العام 2021 إلى 8.8 في المائة في العام 2022 قبل أن ينخفض إلى 6.5 في المائة في العام 2023 و4.1 في المائة بحلول العام 2024. واتسعت فجوة تباين معدلات التضخم بين الأسواق الناشئة والدول النامية، إلا أن صدمات الارتفاع غير المسبوق كانت أكثر شيوعاً في الاقتصادات المتقدمة. بالإضافة إلى ذلك، فإنه في ظل ارتفاع أسعار الفائدة وتشديد السياسات النقدية على مستوى العالم فقد يترتب على ذلك تشديد شروط التمويل وحدوث أزمة ديون واسعة النطاق في الأسواق الناشئة. إلا أن صندوق النقد الدولي صرح أنه على الرغم من المخاطر الشديدة الناجمة عن تشديد السياسات النقدية، إلا أنه يرى أن ارتفاع معدلات التضخم سيكون مشكلة أكبر إذا لم تعالجها البنوك المركزية على مستوى العالم.
الاقتصادات المتقدمة ستشهد تباطؤ وتيرة النمو هذا العام ...
عكست المراجعة النزولية لتوقعات النمو للعام 2022 بصفة رئيسية النمو المحدود المتوقع للاقتصادات المتقدمة والذي يقابله جزئياً رفع توقعات نمو الأسواق الناشئة والدول النامية المصدرة للسلع الأساسية. إذ تم خفض توقعات نمو الاقتصادات المتقدمة بمقدار 10 نقاط أساس و30 نقطة أساس لعامي 2022 و 2023، على التوالي. من جهة أخرى، تم رفع توقعات النمو الاقتصادي للأسواق الناشئة والاقتصادات النامية بمقدار 10 نقاط أساس للعام 2022 وخفضها بمقدار 20 نقطة أساس للعام 2022. كما تم خفض توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بمعدل 70 نقطة أساس، فيما يعد أكبر معدل خفض في الاقتصادات المتقدمة، ليصل إلى 1.6 في المائة في العام 2022، بينما تم الإبقاء على توقعات النمو للعام 2023 دون تغيير عند نسبة 1.0 في المائة. ويعكس خفض توقعات نمو الاقتصاد الأمريكي إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي غير المتوقع في الربع الثاني من العام 2022. وفي المقابل، من المتوقع أن تنمو منطقة اليورو بوتيرة أسرع تصل إلى 3.1 في المائة في العام 2022 مقابل التوقعات السابقة البالغة 2.6 في المائة.
وارتفعت توقعات نمو الاقتصاد الألماني بمقدار 30 نقطة أساس إلى 1.5 في المائة في العام 2022 وخفضها بمقدار 110 نقاط أساس إلى - 0.3 في المائة للعام 2023 على خلفية تداعيات قطع إمدادات الغاز التي أثرت على نشاط التصنيع. ومن المتوقع أن يستقر معدل النمو في اليابان عند مستوى 1.7 في المائة في العام 2022، على أن ينخفض بمقدار 10 نقاط أساس إلى 1.6 في المائة في العام 2023، فيما يعزى بصفة رئيسية إلى بعض القوى الخارجية مثل التحول السلبي للتبادل التجاري نتيجة لزيادة أسعار واردات الطاقة وانخفاض الاستهلاك.
وشهدت الدول النامية منخفضة الدخل مراجعة هبوطية بمقدار 20 نقطة أساس و30 نقطة أساس لعامي 2022 و 2023، فيما يعزى بصفة رئيسية إلى الزيادة الحادة لقيمة الدولار الأمريكي مما أدى إلى تفاقم أزمة تكلفة المعيشة وزيادة الضغوط السعرية المحلية. وما تزال التدفقات الرأسمالية دون مستوياتها السابقة، وتستمر معاناة العديد من الاقتصادات منخفضة الدخل والدول النامية من مستويات المديونية الحرجة.
في ذات الوقت، تم خفض توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين بمقدار 10 نقاط أساس إلى 3.2 في المائة للعام 2022 وبمقدار 20 نقطة أساس إلى 4.4 في المائة للعام 2023، فيما يعزى إلى تدابير الإغلاق المتكررة لاحتواء تفشي فيروس كوفيد-19 في إطار تطبيق سياسة صفر كوفيد خاصةً بدءاً من الربع الثاني من العام 2022. ويمثل خفض توقعات النمو في الصين ومنطقة اليورو وروسيا والولايات المتحدة مجتمعين نحو نصف معدل الانخفاض المتوقع لمعدلات نمو العام 2022، مع بقاء تلك التركيبة مستقرة نسبياً خلال فترة التوقعات. كما تم خفض توقعات نمو الهند بمقدار 60 نقطة أساس للعام 2022 إلى 6.8 في المائة، في حين ظل مستقراً عند مستوى 6.1 في المائة للعام 2023 مما يعكس تراجع النمو الاقتصادي بمستوى أضعف من المتوقع في الربع الثاني من العام وتفاقم ضعف الطلب الخارجي.
نمو منطقة الشرق الأوسط يدعمه تحسن التوقعات الإيجابية
تم تعديل توقعات الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ورفعها بمقدار 10 نقاط أساس إلى 5.0 في المائة للعام 2022 وبمقدار 20 نقطة أساس إلى 3.6 في المائة للعام 2023. وتعزى توقعات العام 2022 بصفة رئيسية إلى التوقعات الإيجابية لمصدري النفط في منطقة الشرق الأوسط ووسط آسيا والتأثير المعتدل للنزاع المحتدم بين أوكرانيا وروسيا. كما تم رفع آفاق نمو اقتصادات بعض الدول المصدرة للنفط في المنطقة بمقدار 30 نقطة أساس للعام 2022 إلى 4.9 في المائة. أما بالنسبة لمستوردي النفط، فقد تم رفع توقعات النمو بمقدار 120 نقطة أساس ليصل إلى 5.1 في المائة في العام 2022.
وكانت تعديلات توقعات الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لدول مجلس التعاون الخليجي متباينة للعام 2022، إلا أنها كانت إيجابية إلى حد كبير. حيث من المتوقع أن تسجل الكويت أسرع معدل نمو للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي هذا العام عند 8.7 في النسبة، بعد تعديله بالزيادة بمقدار 50 نقطة أساس، ويرجع ذلك أساسًا إلى القاعدة المنخفضة بعد أن شهدت البلاد أكبر انخفاض خلال عام الوباء 2020 وأقل تعافٍ في عام 2021 عند نسبة 1.3 في المائة. كما خضعت معدلات النمو في الإمارات العربية المتحدة والبحرين لعام 2022 لمراجعات تصاعدية بلغت 90 نقطة أساس و 10 نقاط أساس لتصل إلى 5.1 في المائة و 3.4 في المائة، على التوالي، في حين خضع نمو الناتج المحلي الإجمالي لعمان لمراجعة هبوطية حادة بواقع 120 نقطة أساس إلى 4.4 في المائة. لم تكن هناك مراجعات لتوقعات النمو في المملكة العربية السعودية وقطر حيث من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7.6 في المائة و 3.4 في المائة لعام 2022، على التوالي.
بالنسبة لعام 2023، ظلت توقعات الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا دون تغيير عند 3.6 في المائة بينما كانت هناك بعض المراجعات في توقعات النمو لبعض دول مجلس التعاون الخليجي. ومن المتوقع أن تشهد البحرين والكويت معدلات نمو للناتج المحلي الإجمالي عند 3.0 في المائة و 2.6 في المائة، على التوالي، بينما من المتوقع أن تشهد قطر أبطأ نمو في دول مجلس التعاون الخليجي العام المقبل عند 2.4 في المائة. من ناحية أخرى، من المتوقع أن تشهد الإمارات العربية المتحدة أسرع نمو للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.2 في المائة تليها عمان بنسبة 4.1 في المائة (بعد مراجعة تصاعدية قدرها 110 نقاط أساس) والمملكة العربية السعودية بنسبة 3.7 في المائة.
توقعات التضخم
أقر صندوق النقد الدولي بالتحديات التي تواجهها جميع الاقتصادات الكبرى تقريبًا على مستوى العالم بسبب ارتفاع معدلات التضخم بالإضافة إلى قوة الدولار الأمريكي وارتفاع الأسعار مما يشكل تهديداً كبيراً للازدهار الحالي والمستقبلي للعديد من البلدان. إلى ذلك، تتوقع الوكالة أن يصل التضخم إلى ذروته في أواخر عام 2022 ومتوسطًا عند 8.75 في المائة، وهو أعلى مستوى في 26 عامًا منذ عام 1996. ومن المتوقع أن تظل الأسعار مرتفعة لفترة أطول من المتوقع سابقًا وستظهر انخفاضًا هامشيًّا فقط إلى 6.5 في المائة، وهو ثاني أعلى مستوى منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008. ومن حيث المناطق، من المتوقع أن يظل التضخم مرتفعًا على مستوى العالم. ومن المتوقع أن تشهد الاقتصادات المتقدمة معدلات تضخم تصل إلى 7.2 في المائة هذا العام، بينما من المتوقع أن تشهد الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية ارتفاعًا في معدل التضخم بنسبة 9.9 في المائة. كما من المتوقع أن يبلغ معدل التضخم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نسبة 14.2 في المائة هذا العام والعام المقبل، على الرغم من أنه من المتوقع أن تظل الأسعار في دول مجلس التعاون الخليجي أقل من نسبة 5 في المائة هذا العام مدعومة بالسياسات الحكومية الاستباقية والأسعار الخاضعة للرقابة للسلع الرئيسية.
تباطؤ التجارة العالمية
من المتوقع أن يتباطأ حجم التجارة العالمية من نسبة 10.1 في المائة في العام 2021 إلى 4.3 في المائة في العام 2022. وعلى الرغم من أن هذا المعدل يعد أعلى من المستويات المسجلة في العام 2019 وأثناء أزمة جائحة كوفيد-19 في عام 2020، عندما أدى تزايد فرض الحواجز التجارية إلى تقييد التجارة الدولية، إلا أنه ما يزال أدنى بكثير من المستويات التاريخية المعتادة (4.6 في المائة 2000-2021 و 5.4 في المائة 1970-2021). كما يتوقع أن تتباطأ وتيرة النمو إلى 2.5 في المائة في العام 2023. ويعد خفض التوقعات بمقدار 70 نقطة أساس أكثر حدة مما كان متوقعًا للعام 2023 وفقًا لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر في يوليو الماضي، مما يعكس بصفة رئيسية انخفاض نمو الإنتاج العالمي. كما تم خفض التوقعات الخاصة بالواردات بمقدار 20 نقطة أساس للاقتصادات المتقدمة إلى 6.0 في المائة للعام 2022 و2.0 في المائة للعام 2023، أي بانخفاض قدره 80 نقطة أساس. أما بالنسبة للأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، فمن المتوقع أن تزيد الواردات بمقدار 130 نقطة أساس لتصل إلى نسبة 2.4 في المائة في العام 2022 وإلى 3.0 في المائة في العام 2023.
في المقابل، من المتوقع أن تحقق صادرات الاقتصادات المتقدمة نموًّا بنسبة 4.2 في المائة (-30 نقطة أساس) في العام 2022، يليه تسجيل معدل نمو بنسبة 2.5 في المائة (-100 نقطة أساس) في العام 2023. إلا أنه من المتوقع أن تنمو الصادرات بوتيرة أسرع بالنسبة للأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، حيث تم رفع توقعات النمو بمقدار 10 نقاط أساس في العام 2022 ليصل بذلك معدل النمو إلى 3.3 في المائة، يتبعه توقعات بتسجيل تراجع قدره 40 نقطة أساس في العام 2023، ليصل معدل النمو إلى 2.9 في المائة.