د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
في مطلع شهر أكتوبر الجاري حمل أمانة التعليم وزير جديد؛ معالي الأستاذ يوسف البنيان نسأل الله لمعاليه العون والتوفيق «وأن يجد على الطريق هدى» ولقد سجّلَ التعليم في بلادنا حُزَماً من النجاحات لا ينكرها ذو لُبّ، ومازلنا (نرجو فوق ذلك مظهراً) والحقيقة أن من مكاسبنا في عهد الرؤية السعودية العملاقة 2030 اتساع آفاق الثقافة التربوية فعلمنا ماذا نريد, وكيف نصل, وما هو المحمول الوطني الأجدر الذي نسعى له وحوله, وعَمِلَتْ القياداتُ التعليمية وصانعو السياسات وبناة الأنظمة في البحث عن الروابط والارتباط بين صناعة التعليم الثقيلة وبين عقول الطلاب وفق ذلك المنظور.
ومن فواصل القول وحقائقه أن تربية الطلاب والتميز في رعايتهم معرفياً يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالغايات والأهداف التي ينشدها الوطن وأن التعليم يسير وتسير خلفه المؤسسات الصناعية والاقتصادية والاجتماعية ومن ثَمَّ يقود البلاد إلى المنافسة، وهناك متكآت متينة نجزم أن الاستراتيجيات التعليمية في بلادنا قد مرتْ عليها ووقفتْ واستوقفتْ ومازالتْ تلك السياسات تستورد التجارب, ولكن لابدَّ من البدائل المبتكرة وصناعة القرارات الداعمة لميدان المدارس في المستويات الأكثر التصاقا بها؛ قياداتها ومعلميها.
ولأن المساحات البيضاء الوحيدة في منظومة التعليم هي قاعات الدرس فهي أسٌّ وأساس فالخطوة الأولى المحافظة عليها حتى لا تكون مسطحات دون تضاريس؛ مجهولة المنتج والنتيجة فقضية الجلوس خلف المقعد الدراسي لساعات والاستماع للأمام دون حراك قضية لا بد من صياغات مختلفة لشروطها وفك طلاسم الوقت المقدس المسمى بالحصص ليكون ذلك الوقت متكأً لعقول الأجيال وقدراتهم؛ وأن تكون هناك أسس ومنطلقات وأهداف واضحة نحو الفصل الدراسي تقوم على تغيير فلسفة التعلم وأساليب التلقي؛ وترقية مقاييس التقويم التحصيلي وإسنادها للمؤثرات المحيطة بالطلاب، ويجب أن يكون التصنيف الشامل لكل عناصر التعليم ومكوناته استراتيجية أولى للإصلاح فالنطاق الإشرافي واسع مترامٍ.
وهناك حتماً فوارق وثقافات مختلفة تتعامل مع المعطيات والتشغيل، وهناك بيئات تعليمية قد بلغت سن الرشد فلو تحولتْ تلك البيئاتْ إلى داعم ومساند لمن دون ذلك من البيئات لكان في ذلك تركيز وترشيد وانتقال مباشر للفصول الدراسية؛ والتصنيف الرامي للإصلاح حتماً يدعمه تحليل دقيق للمخرجات والنتائج عامة، ثم ربط ذلك بكل علائق الطلاب أسرياً ومجتمعياً وثقافياً واقتصادياً؛ وتختلف أهمية كل علاقة وفق النطاقات الجغرافية والمكوّن السكاني؛ وموجز ذلك أن تكون الجرعات الداعمة بمعايير مختلفة ولمعايير مقننة وواضحة وفق مقتضى الحال؛ وقد كثُرت المصانع التي تصب في المدارس فضعُف الإنتاج والنتيجة في كثير منها؛ وحتى نضمن الانفتاح العقلي واليقين الوجداني عند الطلاب بأن التعليم بالنسبة لهم هو الشعور الحقيقي بالاستقرار فإنه من المؤسِّسَات الأكيدة جدارة المحتويات المعرفية؛ فبها ومنها نختصر كثيراً من الحكايات في مجال التعلُّم، وهي تمثل الدعم الذاتي للطلاب، فلابدّ من إطار محكم للمحتويات المعرفية يمنع التسلل خلالها والعبث فيها، وأن تكون في مضامينها أطواق نجاة, ومسارات تقدُّم، تجعل الطلاب يؤمنون بالقيم والمبادئ، يحيطها أسلوب من التعلّم الأكفأ والأقدر؛ وفي مقابله تعليم أقل مما يعني أن المحتويات يجب أن تركز على الأسس، وأن لا يُعزل الطلاب عن واقعهم تحقيقاً لمشاركتهم في مفاصل التنمية، إضافة إلى أهمية التوسع في محتويات التفكير النقدي والفلسفة وجعلهما حلقة أساس في بناء المحتويات المعرفية، فإن سرقتْ الأضواء فهناك أمل وعمل، وإن توارتْ في الحجاب فالمعرفة العميقة المتجددة لا تنمو في بيئات مزيفة، وتحتم الحاجة تصميم محتويات معرفية تحتكم للعقل، وتزرع السلام الحقيقي في أعماق نفوس الطلاب؛ ومن ممكنات الوصول الحقيقي للفصول الدراسية دون وسائط تكشيف قنوات التعليم الموجودة فهناك دوائر تتنازع السلطة أغرق تنافسها المدارس، ولجان أسنت تغلبها وسائط التقنية جودة وإنتاجاً، وبرامج ترهّلتْ وصدِئتْ وضعُف منتجُها.
ولكي يصبح التعليم حصاداً نضراً يلزمنا ربط خرائط التعليم وقنواته بما يتحقق للطلاب داخل قاعات الدرس فحسب، ولأن الفصول الدراسية هي فضاءات المعلمين وأن أثرهم يعادل أضعاف الأدوات الأخرى المحيطة بعمليات التعلُّم، وأنهم أساتذة يجب أن تقام لهم مظلات التخصص والتخصيص، ولابد لهم من استراتيجيات عليا لا تُحيّد اللوائح عنها، وأن تُصنع لهم أسباب التميز بعمق التكوين المعرفي ووجود الحوافز التي تحركهم نحو الاتجاهات المشرقة، وأنهم حتماً سيملكون القدرة على التحول إذا ما كانت لديهم الرغبة والاتجاه لإحداث التغيير عند الطلاب؛ وذلك مستند أساس نأمل من معالي الوزير أن يُدار ذلك المستند بمنظور استراتيجي عميق؛ وهو ضعف الارتباط بين برامج إعداد المعلمين في الجامعات والمتطلبات الحقيقة لممارسة مهنة التدريس يبدأ بتقنين الاختيار والتعرف على المتقدمين ومدى استعدادهم ذهنياً وشخصياً وربما يتحقق ذلك بأن يكون وجودهم في المدارس في بداية مرحلة الإعداد وتحت إشراف قيادات مدرسية متميزة.. وقد يكون تصحيح مقاييس الاختيار مفتاح الوصول إلى القمة.
وللحديث بقية بإذن الله..