يُعدّ إتيان فور Etienne Faure أحد أهم الشعراء الفرنسيين في القرن الحادي والعشرين، وعلى الرغم من ندرة إنتاجه الشعري بالنظر إلى عدد المجلات المعروفة التي ينشر فيها منذ عام 1991(نذكر منها على سبيل المثال مجلة NRF, Europe, Phnix, Le Mâche-Laurier,Théodore Balmoral ،remue.net, Terre à ciel) فان إتيان فور يُعد حتى يومنا هذا من الشعراء الذين يتيحون للقارئ إمكانية التّعرف على جيل رسَخت أقدامهم في دنيا الشعر خلال العشرين عاما الماضية.
* في قصائدك، تتحدث عن نفسك بأسلوب ضمني، فمن يكون إتيان فور؟
وُلِدت عام 1960، أعمل في باريس، دَرَستُ القانون، أعيش في مثلث الباستيل -الأمة- الجمهورية، يمكن أن نضيف إلى ذلك منطقة أحبها كثيرا: مقبرة الأب لاشيز وأسوار هذه المقبرة، التاريخ يوطّد علاقتي بالأماكن وبكل ما أحبه فيها، من النوافذ التي تطل على الشارع إلى الفتحات التي انظر من خلالها إلى الأسطح، أحب السماء عندما تكون بلون الزنك الضارب إلى اللون الأرجواني أو الأزرق أو الأسود اللامع أو الأبيض الناصع، كل ذلك وفقا لمفهوم الزمن أو الأجواء المصاحبة لتساقط المطر، إننا نتحدث عن الأماكن التي تشهد على تاريخ الإنسان في أحياء باريس انطلاقا من كومونة باريس إلى حملة «فيل دو هيف» البوليسية وحديثا الهجمات التي ضربت الدائرة الحادية عشرة بشكل متكرر. الحياة بالنسبة إلى الشاعر تعني أن يعيش وقتا طويلا مع الآخرين في الزمن الماضي وفي الوقت الحاضر بغرض الاستكشاف والعمل والقراءة.
* حدّثنا عن الشعراء الذين تأثّرت بهم؟
هناك قاسم مشترك بين القراءة والكتابة، لا أعرف بوضوح من أي منهم ارتويت، أذكر على سبيل المثال الشاعر اللاتيني بروبرتيوس والشاعر الفرنسي الويسيوس برتراند والشاعر الألماني هولدرلين وأصحاب المذهب السريالي والشاعر الفرنسي توليه والشاعرة الروسية تسفيتايفا والشاعر النمساوي تراكل. أتذكر أيضا كبار الكتّاب الفرنسيين مثل فولين وجيليفيك وفرينو وتورتيل وديجي وريدا وستيفان وراي وفينيلي...
* والشعراء المعاصرون؟
الشاعر لومير والشاعر ساكري والشاعر دولافو والشاعرة إتيان. تأثّرت كثيرا بالشاعر الفرنسي مولوبو من خلال مجموعته «لا تبحث عن قلبي» والشاعر البلجيكي جوفيت من خلال مجموعته «ثناء كبير على المطبخ الريفي». يوجد العديد من الكتّاب الآخرين، أيضا هناك الكثير من الكاتبات اللاتي تأثرت بهن في فترة التسعينيات وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، نعم القائمة طويلة، إن فن كتابة الشعر يمكن أن يتأثر بالروايات الفرنسية أو الأجنبية وبالمقالات والقصص القصيرة، لا يجب أن نتجاهل الدور الذي تلعبه الموسيقى والفنون البلاستيكية والمسرح والسينما في التأثير على الشعر.
* لماذا يحضر الشعراء الآخرون في نصوصك؟
القصيدة هي مناسَبة من أجل تغيير نمط الحياة والعمل على أن نستكشف وأن نعيش حياة أخرى مهما كان مصدرها، القصيدة هي مناسَبة من أجل تغيير مركز العالم الذي يغلب أحيانا على بناء النصوص الشعرية. في مجموعتي الشعرية طيران على شكل حرف V، الحياة تشبه النوافذ المفتوحة على الوقت الحاضر أو الزمن الماضي، نقرأ عن هذه الفكرة في أحد الفصول وعنوانه «ليتني لم أكن أنا»، وفي التلميحات التاريخية وعند المقابر أو بمشاهدة اللوحات، ترد هذه الفكرة أيضا في جميع مجموعاتي وأيضا من خلال الكتابات النثرية حيث تتقاطع العديد من الحيوات كما في القصيدة النثرية «الحياة جميلة، فلِمَ لا نستنشق الهواء النقي».
* في مجموعتك الشعرية طيران على شكل حرف V، أنت لا تكتب عبارات بل أبياتا شعرية، هذا يعني أن الوصف لا يناسبك. تتميز أبياتك الشعرية الطويلة بقفزات تكسر المعنى المعتاد للجُمل الشعرية وتسود فيها ذائقة الترنيمات.
نعم، القواعد النحوية المستخدمة لا تجعل القارئ يصل بسهولة للمعنى بسبب روابط التقديم والتأخير بين الجمل وعلاقة الأبيات الشعرية بعضها ببعض، فالقصيدة إذن ليست عملية حسابية مجانية، هي مناسَبة لالتقاط الأنفاس: من الضروري أن نأخذ في الاعتبار عامل السرعة الذي يؤدي إلى ضغط النص.
* وماذا عن المجموعة الشعرية طيران على شكل حرف V
المجموعة الشعرية طيران على شكل حرف V تشتمل على عدد من النصوص التي تم نشرها على مدار ثلاثة وثلاثين عاما في عشرات المجلات الورقية وغير الورقية، إن كتابة هذا العمل استغرق سنوات كي يصل إلى شكله النهائي. إن زمن تجميع المادة وكتابتها مهم: لا أقصد فقط فعل الكتابة ولكن جميع الظروف التي تتوفر من أجل الكتابة. فالتباين يسمح بتعزيز التّقارب بين الكلمات والتجارب التي تحتويها. لا يجب أن نخاف من محو كلمات معينة. هناك ممارسات أخرى لدى الشعراء اليوم، خاصة بفضل مواقع التواصل الاجتماعي التي تتيح ل هم نشر أشعارهم بمجرد الانتهاء منها بغرض مشاركة القراء فحواها. يبدو لي أن زمن المعاني الواضحة أصبح مثيرا للاهتمام لمعرفة ما إذا كان النص لا يزال يحاور ويطرِب بعد أول انطلاقة جيدة له، وكذلك من أجل معرفة ما الذي يعطيه لنا بالمعنى الحرفي للكلمة.
* عندما أتحدث معك ألاحظ أنك تصر كثيرًا على أهمية المجلات
نعم المجلات تلعب دورا أساسيا، فمنذ فترة طويلة نشرت في احدى المجلات دون أن يكون هناك إصداراً للمادة المنشورة ضمن مجموعة شعرية. كانت فرصة جيدة للتّعرف على مؤلفين آخرين يشاركونني نفس الاهتمام. صدرت أول مجموعة بعنوان «حكّة خفيفة» ضمن منشورات دار النشر شون فالون التي نشرت أيضا المجموعات الأربع الأخرى التي تلت الإصدار الأول. ثم استمرت مغامرتي الكبيرة مع نشر مجموعتي بعنوان «رأس يتدلى» وهذا العمل الأخير مجموعتي الشعرية «طيران على شكل حرف V».
* لماذا هذا التناوب بين الشعر والنثر في عملك؟
اننا نتحدث عن وجود منحنيات مستمرة تصل النثر بالشعر. يستمر المشروعان جنبًا إلى جنب ومن عمل إلى آخر: توجد ظروف معينة يصبح معها استخدام البيت الشعري ضرورة ملحة لأنه الأكثر رصانة أو الأفضل من الناحية الايقاعية، بينما في أوقات أخرى تكون هناك ضرورة لأن يرتدي النص ثوب النثر ليكون أكثر مرونة وربما ليتمتع بحرية أكبر في نقل المعنى. الفائدة من هذا التناوب، من بين أمور أخرى، هو خلق تيار شعري صحي ضمن معاييره وقوالب خاصة.
** **
أيمن منير - أكاديمي ومترجم مصري