الثقافية - حاوره - علي القحطاني:
تواصل (مجلة الجزيرة الثقافية) في هذا العدد الحديث عن موضوع مهم طالما كان مثار تساؤل لدى المثقفين والأدباء والمهتمين وهو مصير مخطوطات المؤلفين وعن مصير مسودات الكتب بعد رحيل أصحابها في ظل اللا مبالاة من بعض الورثة تجاه مخطوطات الراحلين وعدم تقدير هذا النتاج العلمي والثقافي والفكري، وقد تكون عرضة للإهمال والضياع وتأمل (الجزيرة الثقافية) مجدّدا وتكرر توصيتها لـ(وزارة الثقافة) أن تبادر مشكورة إلى سنّ قانون يحمي هذه المخطوطات لتنتقل ملكيتها إلى الجهات المعنية لتتولى طباعتها والإشراف عليها.
في البداية استضفنا الأستاذ محمد القشعمي الذي أفنى عمره في البحث بين أروقة الكتب والمخطوطات واشتغاله في قراءة الدوريات والصحف السعودية القديمة لتوثيق سير الأعلام السعودية شفهيا في مهام كُلف بها من مكتبة الملك فهد الوطنية وهو بلا شك على إطلاع عن قرب بتلك المسودات ومخطوطات المؤلفين وتحدث قائلا عن سبب إحجام الورثة عن نشر مسودات ومخطوطات الراحلين وقال: قد يكون السبب في عدم نشرها ؛ التردد وعدم الاقتناع بتمامها ، فقد تؤجل حتى يُعاد النظر بها للأفضل وقد يأتي ما هو أهم منها فينشغل كاتبها عنها وتتراكم ويكبر عنها كاتبها فيحتار هل يحرقها أم يبقيها لورثته فقد يسخر له الله أحد أبنائه ليعيد النظر بها وينشرها مثلما مثل ما حصل للراحل الشيخ عبد الله بن إدريس فسخر الله له أبنائه وأعادوا طبع ما سبق طبعه وألحقوا بها ما لم ينشر وهناك على سبيل المثال الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله - فقد سخر الله له أولاده وتلامذته الذين نفضوا الغبار عما ترك من مسودات ومقالات وصدرت من مركزه (مركز حمد الجاسر الثقافي) بعد تحقيق وتدقيق من أحد أعضاء اللجنة العلمية الدكتور عبد الرحمن الشبيلي، كما أن الشيخ عبد الله بن خميس قد كتب سيرته وبدأ وخطّط وسوّد كثيرا من الأعمال التي تستحق النشر وغيره وكذلك الأستاذ عبد الله نور الذي ترك مسودات كثيرة أظن منها عندما كان منوّما في مستشفى الحرس الوطني فكنت أجد لديه مشروعين روائيين ( ابن الخضراء) و(وجه بين حذائين ...)
وأوضح الأستاذ محمد القشعمي أنه قابل الأستاذ عبد الله نور في منزل فهد العريفي وقام بلومه على تقصيره و عدم نشر أعماله فزاره في مقر عمله بالمكتبة الملك فهد الوطنية وترك له ملفا به مسودات في واحد وعشرين 21 ملزمة كل قسم بمفرده ولم يدر بخلد الأستاذ محمد القشعمي أنه سيرحل سريعاً ولامه بعض أصدقائه بعدم تصوير تلك الملاَزِم والمسودات.. وبعد وفاة الأستاذ عبد الله نور قام ابنه عبد الرحمن بن عبد الله نور بزيارته وهو بصدد نشر كتاب والده: (حرف النون في القرآن). واستذكر محمد القشعمي سعد الدريبي بالأحساء الذي قام بزيارته في منزله وإجراء حوارٍ مسجّل معه ضمن برنامج التاريخ الشفهي للمملكة التي تبنته مكتبة الملك فهد الوطنية قبل عشرين سنة وأطلعه على أكثر من ثلاثين ملفاً كلها مسوّدات فيما بقيت كتبا لم تطبع بعد وفاته.
كما يستذكر الأستاذ محمد القشعمي أثناء عمله بمكتبة الملك فهد الوطنية أنهم قاموا بمراسلة بعض الأدباء والمؤلفين والطلب منهم بتزويد المكتبة الملك فهد الوطنية بمسودات الكتب المطبوعة وغير مطبوعة وقد تجاوب مع المكتبة د عبد العزيز الخويطر، ود عبد العزيز المانع فقط أمّا الثالث وهو كاتب أكاديمي فقد اشترط السرية المطلقة وضمان عدم تسربها وما يزال الأستاذ محمد القشعمي يذكر أنه قبل خمس وأربعين (45) سنة عندما كان يعمل بالأحساء عند تأسيس جامعة الملك فيصل وحينها كان الدكتور خالد السيف أمين عام الجامعة و ذكر أن مسودات كتب وجدوها بجوار حاوية النفايات عند منزل الأديب والمؤرخ عبد الله آل عبد القادر بعد وفاته وقد اتصلت الجامعة بأبنائه وضمت مكتبته فيما بعد لمكتبة الجامعة ،واسترسل الأستاذ القشعمي في حديثه إلى أن بعض الأدباء يوصون بمكتباتهم للجامعات والمكتبات العامة مثل مكتبة ابن خميس الذي أهداها لمكتبة الملك فهد فوضع لها قسما خاصا، وقد سمع أن أبناء الأديب عبد الكريم الجهيمان قد قاموا بعرض مكتبة والدهم على مكتبة شقراء - مسقط رأسه- فاعتذروا لعدم وجود مكان لها مما أضطرهم لوضعها بدكان وسط السوق حليوة الشعبي بشقراء ومثلهم مكتبتي الرائد سعد البواردي والدكتور عبد العزيز المانع فقد عرضا المكتبة على الجامعة ولم يتم لهم ذلك ...ويختتم الأستاذ محمد القشعمي حديثه في هذا الملف بقوله : وقد رأيت وسمعت ما تؤول إليه مكتبة من يتوفى .. ووضعه مع بقايا ملابسه وأثاثه وتؤخذ لسوق الحراج وتباع أبخس الأثمان ولا يعرف قيمتها الحقيقية فقد ذكر الورّاق أحمد كلاس أنه قد أشترى مخطوطة بمائتي ريال وباعه فيما بعد بألفي ريال والذي اشتراه ذهب به إلى سوق المزاد بلندن وباعه بما لا يقل عن نصف مليون ريال،وأطالب أخيرا بتحديد الجهة المعنية للمحافظة على هذا التراث وحفظه من الضياع والتلف.
وشاركنا في هذا الملف الثقافي (مصير المسوّدات والمخطوطات بعد رحيل أصحابها) الأستاذ إبراهيم الحقيل ويرى في البداية أن مخطوطات المؤلفين والوثائق تعدّ مصدراً مهماً من مصادر المعرفة الإنسانية، التي بقيت شاهدة على الأزمان الماضية، فهي تحمل في طيّاتها صوراً حيّة للتجربة البشرية بمختلف أوجهها، ومن ثمّ فإن المحافظة عليها وجعلها متاحة من أجلّ الأعمال وأنفعها للبشرية، ومع ذلك فإن هذا المصدر المهم، ورابطة الوصل مع الأسلاف تعاني في بعض الجوانب إهمالاً متعمداً يظهر في التمسك بها من قبل كثير من الأفراد، ظناً منهم أنها إرث خاص بهم، مع أن الحقيقة تقول إنها ملك للجميع، ملك للوطن قبل أن تكون ملكاً للأفراد.
لهذا السبب فقدنا تراثاً مخطوطاً سواء كتباً أو وثائق متنوعة بسبب هذا التفكير القاصر، الذي يحول العلم إلى إرث، ويزداد الأمر سوءاً إذا كان الورثة بعيدون عن مجال العلم، ولا يعرفون كيف يتصرفون مع هذا الإرث العلمي الذي بين أيديهم، فتجده يذوب فوق الأدراج وفي الخزائن شيئاً فشيئاً حتى يصبح رماداً.
فلا هم استطاعوا أن يخرجوه مخدوماً خدمة علمية تليق به؛ لأنهم لا يملكون أدوات التحقيق، ولا هم خدموه بحفظه في مواقع الحفظ المعتمدة، فتحوّل من إرث علمي إلى تراث تذروه الرياح في يوم عاصف من الإهمال وعدم المبالاة.
وقد وقف الأستاذ إبراهيم الحقيل شخصياً على مواقف صادمة حيال هذا التراث، ومنها: أن ورثة أحد ملاك مخطوط نادر في بلادنا لا يوجد منه نسخة أخرى في العالم أغلقوا عليه الأدراج، ولم يستطع أحد الباحثين الذي يسعى لتحقيقه أن يصل إليه، منذ عدة سنوات، فهم يسوّفون ويماطلون، على أن هذا المخطوط ليس ملكاً خاصاً للورثة في الحقيقة، بل هو للوطن، لأنه قطعة من تاريخه وتراثه.
ووقف الأستاذ إبراهيم الحقيل أيضاً على موقف مماثل؛ فهذا رجل لديه مجموعة كبيرة من الوثائق، منع تصويرها، وأغلق عليها في صندوق خشبي عنده،و لمّا توفي نُسِي ذلك الصندوق عدّة سنوات، وعندما عاد أحد أبنائه إليه وجد جميع الوثائق أصحبت رماداً، بفعل الحرارة العالية، والإهمال، ومثل ذلك كثير مما نسمعه من المهتمين بالمخطوطات والوثائق.
أمّا المسودات وبعض الأعمال العلمية التي لم يخرجها صاحبها فمصيرها غالباً مصير المخطوطات والوثائق، فهي تضيع وتتلف ولا تجد لها سبيلاً للنشر، وكم سمعنا عن عالم أفنى جزءاً من عمره في عمل علمي لا نجد له أثراً بعد وفاته بمدة.
وتكمن المشكلة في أن غالبية إن لم نقل معظم الورثة لا يدركون أهمية تلك المخطوطات أو الوثائق، فهي ليست مالاً ولا عقاراً يمكن أن يستفيدوا منه، فيهملونها، ولا يلقون لها بالاً، وبهذا الإهمال المقترن بالجهل فقدت المكتبة العربية كماً هائلاً من المخطوطات والوثائق المهمة.
ويرى الأستاذ إبراهيم الحقيل أن مسؤولية الأفراد في المحافظة على التراث المخطوط سواء كان كتاباً أو وثيقة لا تقف عندهم، بل هي عمل جماعي مؤسسي، ولهذا فإنه يجب على الجهات المختصّة أن تقوم بما يلي:
1 - سنّ أنظمة تنظم اقتناء وحفظ هذا التراث الإنساني داخل المملكة.
2 - توعية الجمهور بهذه الأنظمة للتفاعل معها.
3 - وضع حوافز تشجيعية للأفراد المبادرين بإيداع ما لديهم من مخطوطات ووثائق في الجهات المخوّلة نظامياً بذلك.
4 - قيام الجهات المخوّلة بالحفظ بحملة منظّمة ومنسقة تخاطب الأفراد لتستجلب ما لديهم من تراث مخطوط، وترقمن جميع ما لديهم، وتشمل جميع المناطق والمحافظات.
5 - وضع عقوبات رادعة لمن يساهم إهماله في تلف مخطوط أو ووثائق.
ويختتم الأستاذ إبراهيم الحقيل مداخلته بقوله: إن الواجب يحتم على جميع ملاك هذا الإرث المخطوط أن يبادروا في تسليمه للجهات العلمية، التي وكل إليها حفظ هذا التراث، مثل: مكتبة الملك عبدالعزيز الوطنية، مكتبة الملك عبد العزيز العامة، المكتبات الجامعية، دارة الملك عبدالعزيز، مركز الملك فيصل، فإن هذه الجهات تستطيع أن تحافظ عليه، سواء حفظاً مادياً متمثلاً في حمايته من الآفات، ورقمنته، وحفظه ورقيا ورقميا في مواقع مناسبة تحافظ عليه، وفوق ذلك تمكن الباحثين والمهتمين من الاطلاع عليه.
على أن لجهات الحفظ مسؤولية كبيرة أيضاً، يتمثَّل في سرعة رقمنة جميع ما يرد إليها، وإتاحته للباحثين والمطلعين، لأن هذا جزء أصيل من مهامهم، وليست مهامهم تقوم على الحفظ فقط، لأن حفظ التراث المخطوط يقوم على شقين:
الأول: الحفظ المادي.
الثاني: المساعدة في نشره مخدوماً ومحققاً، سواء بالنشر من قبل هذه الجهات أو تمكين الباحثين من الاطلاع والتصوير.
كما شاركنا في الملف الصحفي (مصير المسوّدات والمخطوطات بعد رحيل أصحابها) الأستاذ مزيد العصيمي المهتمّ بجمع نوادر الكتب وأرجع السبب في عدم نشر مسودات الراحلين إلى المادة وقال: يجب أن تتحمل المكتبات الوطنية وبعض دور النشر الوطنية أعباء هذا الشيء من أجل نشر التراث الموجود في مسوّدات الراحلين التي توجد بلا شك عند الورثة كما ألمح الأستاذ مزيد العصيمي إلى أن تأخر نشر هذه المسوّدات يعود إلى القيود في النشر وقد يكون فيها بعض الحساسية من نواحي الأسر والقبائل وتكون مواضيعها حساسة لذلك لا تنشر، كما على الجهات المعنية والمكتبات الوطنية أن تقدّم حوافز مالية للورثة للحصول على تلك المسودات والمخطوطات القيّمة للمؤلفين.
كما شاركنا في ختام الملف الصحفي (مصير المسودات والمخطوطات بعد رحيل أصحابها) الأستاذ حمد الزيد ورأى أن العجز المالي عند الورثة يعود إلى التأخر في نشر مسودات الراحلين ومؤلفاتهم وينبغي على الإعلام الثقافي أن يقوموا ببرامج توعوية تجاه هذا التراث المفقود وأهميته ويتطّلب من الجهات المعنية والمكتبات الوطنية الوصول إلى هؤلاء الورثة وعمل زيارات ميدانية مع العمل على التدقيق وحصر كل المسودات والمخطوطات وما صاحبها من ملاحق وصور ووثائق.
وانتهى الأستاذ حمد الزيد في مداخلته إلى القول: يستحسن أن يكون هناك عمل استباقي إحصائي دقيق وأرشفه لجميع الأشخاص الذين لديهم مخطوطات قبل وفاتهم، أو بعد وفاتهم وتصنيف هذه المخطوطات والمسوّدات بطريقه علمية متكاملة ومعالجة ما يمكن معالجته لما تعرضت له من عوادي الزمن الطويل وتأثير الرطوبة وسوء التخزين وعمل المقدمات المناسبة لكل مخطوطة وفهارس وكشافات وبعد ذلك طباعة ما هو مهم منها.
** **
- @ali_s_alq