د. معراج أحمد معراج الندوي
إذا تساءلنا ما هو اليوم من أيام التاريخ الذي يستحق من الإنسانية أعظم تقدير وإجلال..؟ ما هو اليوم- من أيام التاريخ- أن يعتبر اليوم الخالد والخط الفاصل في أدوار التاريخ..؟ ما هو اليوم الذي يعتبر ميلاد العالم الجديد، وفاتحة العهد السعيد..؟ ما هو اليوم الذي ولدت فيه قوة جديدة لمكافحة الشر وصد الفساد، لتكوين المجتمع الجديد القائم على الإيمان والعمل الصالح والتقوى وخدمة الإنسانية..؟
وإذا تساءلنا ما هو اليوم الذي ولدت فيه الأمة العربية ولادة جديدة، بل ولدت لأول مرة وظهرت على مسرح التاريخ أول مرة، واستحقت أن تسمى «الأمة» أول في التاريخ...؟ ما هو اليوم الذي تجلت فيه عبقريتها اللغوية، وحريتها الفردية وقوته في التعبير وسعة لغتها..؟ ما هو اليوم الذي أصبحت فيه الأمة العربية «أمة» تقرر مصير الأمة وتغير اتجاه العالم، وفرضت على المجتمع الإنساني مدنيتها المقتبسة من الدين الجديد، المتشبعة بروح التقوى والأمانة، حيث أصبحت لغتها المحصورة في جزيرتها لغة العالم الجديد.
ما هو اليوم الذي تجدد فيه الأمل في الإنسانية ومستقبلها، وغلب التفاؤل على التشاؤم، ما هو اليوم الذي عادت فيه كرامة الإنسان إلى الإنسانية، ودبت الحياة الجديدة التي تليق بالشرف وتتفق مع غاية خلق الإنسان، ما هو اليوم اليوم الذي مدت فيه حياة الإنسان على هذا الكوكب، ومنحت فرصة الإنسانية فرصة جديدة في البقاء والازدهار..؟
كان الجواب من غير تردد، هو اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول، شاء الله تعالى أن يتم حلقة الأنبياء والرسل إلى البشرية، إنه هو الذي ولد فيه رسولنا محمد عليه ألف ألف الصلوات والتسليم، إنه اليوم الذي وجدت فيه الإنسانية رسالة الحياة والخلود، وهذه هي الرسالة التي غيرت مجرى التاريخ، وفي هذه الرسالة النبيلة للعدل والمساواة والمحبة السلام وجدت الإنسانية سبيلاً للخروج من الظلمات إلى النور، ومن الشقاء إلى السعادة، ومن عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها.
إنه هو اليوم الذي وجدت فيه الإنسانية الإيمان الذي فقدته وأفلست فيه من مدة طويلة، الإيمان بفاطر هذا الكون ووحدانيته، والإيمان بمصيرها وبالبعث بعد الموت بعد ما يئست من مستقبلها وتهالكت على هذه الحياة وعبادة الشهوات.. إنه اليوم الذي ولد فيه محمد صلى الله عليه وسلم، وبفضله وجد المجتمع الرشيد السعيد الفاضل الكامل الذي لا يوجد له نظير في التاريخ.
إن مصدر هذا الانقلاب، ومصدر هذه السعادة التي تتمتع بها الإنسانية هو هذا الحادث السعيد الذي حدث في الثاني عشر من ربيع الأول، ولادة محمد صلى الله عليه وسلم، إن ذلك اليوم، هو اليوم الذي يحق أن تنشد فيه الإنسانية بكل اعتزاز واهتزاز..
ولد الهدى فالكائنات ضياء
وفم الزمان تبسم وثناء