د. محمد بن إبراهيم الملحم
دور التقييم بعد تنفيذ التغيير له أهميته في عدة جوانب أولها التأكد من مدى تحقق أهداف التغيير المزعومة، وتقديم براهين علمية أنها تحققت فعلاً، كما أنه يبرز أهم النقاط التي تحتاج إلى تطوير وتحسين سواء لتطبيقات التغيير القادمة أو لدورة جديدة من عملية التغيير حتى لو كان موضوع التغيير مختلفاً فأحياناً يكون لإجراءات التغيير وقعها على المؤسسة وأفرادها بطريقة معينة لم يتم التنبه لها (سواء إيجاباً أو سلباً) مما يقدم لمصممي مبادرات التغيير فكرة عن هذا التفاعل ليأخذوها في الاعتبار في مبادرات قادمة، كما أن تقييم التغيير بعد التنفيذ يكسب الجهة المنفذة الثقة في مبادراتها ويشجعها على المضي قدماً في دورات تغيير تابعة فيصبح هو نمطها وأسلوب عملها مما يجعلها مؤسسة تنطلق من مبادرة ناجحة إلى أخرى ناجحة.
فكرة فحص تحقيق الأهداف يسبقها بدون شك تسمية تلك الأهداف وتعريفها وتحديدها بشكل واضح قابل للقياس وذلك في فترة التصميم، وفي بعض الحالات تتم برامج تغييرية ولم تحدد لها أهداف أصيلة تصب في إستراتيجية كبرى تمثل مسيرة المؤسسة، بل أحياناً تصاغ الأهداف بعد بدء العمل وذلك حينما يفكر المنفذون أنهم بحاجة إلى التقييم البعدي الذي نتكلم عنه. ولذلك فإن المنفذين من هذا النوع لا يعرفون كيف يحتفلون بإنجازاتهم سوى أنهم يحشدون الأرقام الكمية من أي مصدر كانت، بل مما يؤسف له أنك تجد الأرقام الخام لا تحول إلى نسب مئوية توضح مدى تحقق شيء ما أو نتيجة ما، فمثلاً عندما تقول إن عدد الذين قاموا بشيء ما أو قالوا شيئاً ما هم خمسة آلاف فإن ما يعكسه هذا الرقم الكبير قد لا يكون له قيمة لو علمنا مثلاً أن المستهدف كان يجب أن يكون خمسين ألف على الأقل, أو عندما نعلم مثلاً أن هناك ما يشبه نفس الموضوع أو المشروع نفذ سابقاً (سواء لدى نفس المؤسسة أو لدى غيرها) وكان الرقم هو عشرين أو ثلاثين ألفاً مما يدل على أن الخمسة آلاف ليست سوى 25 % عندما نتخذ من ذلك المشروع السابق مرجعية للقياس... وهكذا فإن استخدام النسب المئوية مع صياغة أهداف واضحة وتوقعات دقيقة مسبقة سيجعل من التقييم البعدي ذا معنى ويمكن الحكم على أرقامه ومعلوماته، وإني أتعجب من المسؤولين الذين يقبلون على أنفسهم أن يستمعوا إلى تقارير من هذا النوع الخالي من النسب والمرجعيات القياسية أو حتى يوافقوا على نشرها والاحتفاء بها، أمر مخجل جداً نراه يتكرر مرة بعد مرة في مؤسساتنا وتقاريرها العجيبة.
التقييم بعد التنفيذ عملية مهمة هي حصاد البرامج والمبادرات والمشاريع إما لإغلاقها والانتقال إلى أخرى مختلفة تتكامل معها أو لإعادتها وتكرارها على نطاق أوسع بعد أن ثبتت جدواها بشكل علمي رصين، بل ربما تكون النتيجة ضرورة تطوير المشروع قبل التوسع فيه أو حتى التوقف عنه بعد أن ثبت عدم جدواه، وهذا التقييم يجب أن يكون منسجماً مع تقييمات أخرى أشمل ليقدم صورة عن المؤسسة نفسها من حيث فاعليتها وإنتاجيتها، فيصمم بحيث يراعي مثل هذه النظرة الشمولية فهو يخدم مشروعاً حالياً ويخدم في نفس الوقت التقييم العام لأداء المؤسسة. أخيراً أؤكد إنه لا يجوز أن يتم عمل تقييم بعدي صوري تدبج فيه الأرقام بطريقة تعتسف الحقيقة فقط من أجل تأكيد فكرة المشروع والاستمرار فيه تحت مظلة «عنز ولو طارت».