سارا القرني
العالم الافتراضي أصبح سلاحاً ذا حدين.. وقليل من يستغلونه لنشر الفائدة وتبادل الثقافات بينهم وبين الآخرين في عدة مجالات، لكن ما نراه اليوم هو معارك طاحنة، البعض يخوضها باسم القبيلة والآخر باسم الدين وغيرهم يخوضونها نيابة عمّن تأخذهم الحمية لأجلهم، وفي حقيقة الأمر أن القبيلة والدين براءٌ من هؤلاء.. وكذلك الحمية في غير مكانها.
من بين تلك الاستغلالات الخاطئة لوسائل التواصل الاجتماعي نشر معلومات مغلوطة عن شخص ما، ما يدفع الآخرين في مهاجمته بشتى الطرق، هذا عدا السب والشتم والهبوط إلى الحضيض كي ينالوا منه انتصاراً لصاحبهم المضلل، وكأن من نقل لهم المعلومات بيده سجلات المواطنين وبضغطة زر يصل لما يريد. وهي إما معلومة زائفة أو حقيقة تم غَلَوا فيها وتمّ تبهيرها لتصل إلى مستوى يجعل رواد التواصل يثورون بمجرد التقاطها، ناهيك عمّن لهُ ماضٍ مطرز بالسوء.. يعتلي المنبر ويُلقي خطبةً عن الشرف، الأخلاق، حب الوطن، الأنظمة والقوانين.. التي كان بالأمس من أشد المهاجمين لها، وفجأةً أصبح من الخطباء ومن أصحاب المنابر الإصلاحية في تويتر وغيره، وأحياناً يصبح قاضياً فيُطلق الأحكام على الآخرين دون التأكد من المعلومة المنقولة إليه، ناهيك عن أسلوب الحياة التي يعيشها خارج عالمه الافتراضي، مملوءة بالخداع والغش والنفاق، لكنهُ أمام الجمع الغفير الذين جمعهم في حسابه يصبح الفارس والمدافع والمناضل، وكلها أقنعة لم يعد يصدقها غير الساذج أو البائس الذي يبحث عن بريق أمل ينتشله فلا بجد غير أصوات هؤلاء وهي تتصدر المشاهد بزيف مبتكر!
أما الفصيل الآخر فهم الأدهى والأمرّ، الذين جمعوا أكثر من مذهب على مرّ السنوات، ومع كل موجة يخلعون مذهباً ويرتدون الآخر، يسلخون فقهاً ويخيطون آخر، يخلعون أقنعةً ويختبئون خلف غيرها، وفي كل الحالات ما هي إلا تمويه لما تحمله قلوبهم من مرض على المجتمع وعلى كل شريف لم يتلطخ ماضيه أو حاضره بما يُشار إليه من سوء!
أنا أعلم أنهُ لا يوجد هناك شخص خالٍ من العيوب، لذلك البعض ينشغل بعيوبه ويحاول إصلاحها، ولكن هؤلاء لا يُصْلِحون عيوبهم إذ لم يروها، لانشغالهم بعيوب الآخرين أو اختراع عيوبٍ من العدم لإلصاقها بمن يكرهون، متناسين قوله صلى الله عليه وسلّم «المُسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده»، ولكن لم يسلم من ألسنتهم أحد، ولم يسلم من أكاذيبهم وفبركتهم الآخرون، حتى أصبحنا لا نعلم أين الحقيقة، فقد ضاعت بين أصواتهم العالية في كلّ مساحة وبين هاشتاقاتهم المفخخة بالأكاذيب، غير آبهين بالضرر الذي قد يصيب الشخص من لهب تلك الألسنة وبشاعتها.
قبل أن تؤذي الآخرين.. انظر للخلف قليلاً، تمعّن في ماضيك هل هو بالبياض الذي يجعلك تسنّ القوانين التي بالكاد تخلو من معايير القيم ومن الأخلاق وتحكم على الناس؟ وتخوض في أعراضهم، وتشوه سمعتهم بما يسوله لك شيطانك؟
القانون ليس مسؤولاً عن أخلاق الشخص أو تربيته، لكنه مسؤولٌ لوضع حدٍ لكلّ من تسوّل له نفسه بالتطاول والتمادي والخوض في خصوصيات الناس وأعراضهم، أن يردعهم ويكفي الناس عن الناس، ومن أمن العقوبة أساء الأدب، وللأسف أصبحت مواقع التواصل تعج بمثل هؤلاء ومن على شاكلتهم، والغريب أنّ كل فئة يتجمع حولها نفس من يحمل ميولها، ولكل ساقطٍ لاقط!
أخيراً.. أقف عن المتشدد أو المنحل، الذي لا يرى انحلاله أو تشدده ويتابعه الكثير من النساء لأنهُ إما منحلٌ يزين لهم الحياة فيفكك الترابط الأسري، أو متشددٌ يعمي العقول عن رؤية الاعتدال فتنجرف خلفه بعض من لا يفقهن فيكرهن مجتمعهنّ ومحيطهنّ وينقمنَ عليه.
أما التقاليد المجتمعية.. فأعتقد أنها لم تعد موجودة في قاموس المتشددين والمنحلين، فهي تحجز آراءهم، وتحدّ من شهرتهم، وإلى من يحسبون أنّ المخالفة شهرة.. أقول ما هذا إلا مستنقع فكريٌ لن يعترف به زمان أو مكان.
لا أكتب هذا لأني خالية من العيوب، لكني مترفعةٌ عن الأعراض، بريئةٌ من كلّ سمعةٍ لا تخصني، أنا انشغلتُ بعيوني التي لم أرها لجهلي بها، أنا انشغلتُ بإصلاح نفسي!