محمد سليمان العنقري
أصدر مجلس الشورى قراراً طالب فيه صندوق التنمية العقاري بدراسة زيادة مقدار القرض المدعوم إلى مستوى يفي بشراء العقار المطلوب وفقًا للبرامج التمويلية السكنية التي يدعمها الصندوق، وكذلك زيادة مدة سداد القرض كما طالب الصندوق بالقيام بدراسة إكتوارية للتأكد من كفاية رأس مال الصندوق لتغطية الالتزامات المالية في الحاضر والمستقبل حيال العقود الحالية والمتوقعة في المستقبل القريب والمتوسط، ويبدو أن طلب الدراسة نابع من نظرة حول متوسط أسعار العقار. السكني التي ارتفعت بالسنوات القليلة الماضية وأن سقف القرض المدعوم عند 500 ألف لم يعد كافياً للمساهمة بتملك مسكن لشريحة ليست بالبسيطة من طالبي السكن الفعليين بعد أن شهد السوق نشاطاً واسعاً مع البرامج التي أطلقتها وزارة الشؤون البلدية والإسكان وصندوق التنمية العقارية خصوصاً أن الطلب مرتفع وهو ما انعكس على حجم النشاط العقاري إيجاباً.
بدايةً إن طلب الدراسة هو من باب رأي المجلس بتقرير الصندوق السنوي عن العام الماضي وما اتضح لأعضائه من حاجة لمثل هذه المطالبة، حيث إن الصندوق مسؤوليته تقع في الشق التمويلي ولا يمكن مطالبته بوضع حلول إضافية مرتبطة بزيادة العرض من الوحدات السكنية سواءً الجاهزة أو قطع الأراضي فهي ليست مسؤولية الصندوق العقاري والذي نشط دوره التمويلي بشكل كبير في آخر ستة أعوام، حيث تضاعف حجم الإقراض العقاري للأفراد قرابة أربعة أضعاف خلال هذه المدة ليصل إلى 525 مليار ريال بنهاية الربع الثاني من هذا العام ارتفاعاً من 121 مليار عام 2016 ، وقد ارتفعت نسبة التملّك من 47 إلى 60 بالمائة خلال المدة نفسها، بينما زاد المعروض السكني بحوالي مليوني وحدة سكنية منذ العام 2016 لكن «بالتأكيد تشمل وحدات مختلفة الاستخدام أي ليست بالضرورة معدة للبيع فبعضها للاستثمار بمختلف أنواعه سواء التأجير السكني أو الشقق الفندقية وغير ذلك»، وهنا تظهر أهمية تقديم إحصاءات تفصيلية أكثر عن نوع الوحدات فهذه الإحصائية مأخوذة من الشركة السعودية للكهرباء وبكل الأحوال فإن هناك حراكاً ملحوظاً بنشاط التطوير العقاري بمختلف المدن، فالتقديرات تشير إلى الحاجة لما يقارب أربعة ملايين وحدة سكنية حتى العام 2030م من خلال تحويل العقار لصناعة متكاملة، حيث أسست الدولة شركة روشن للتطوير العقاري المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة بالإضافة للشركة الوطنية للإسكان وهي الذراع الاستشارية لوزارة الشؤون البلدية والإسكان، حيث تنقلان قطاع التطوير العقاري لمفهوم التطوير الشامل وبتكاليف ومواصفات متنوعة ومناسبة لشريحة واسعة من طالبي السكن.
لكن عند النظر في ما طلب دراسته فإن للصندوق آلية ملتزم بها مع الممولين من القطاع الخاص، فالقول بضرورة أن يصل القرض لمستوى يفي بشراء العقار المطلوب دون تحديد معايير لهذا المستوى المقصود لا يمكن تحقيقه، فسياسات الممولين لها محددات مرتبطة بمقدار الدخل للعميل وهل عليه أي التزامات وكذلك سجله الائتماني وسنه وهذا الأمر مرتبط بالجزء الآخر من التوصية التي تطالب بزيادة مدة سداد القرض، إذ ينظر للفرق بين وقت طلب القرض والمدة المتبقية لبلوغ سن التقاعد فالقطاع المالي عليه رقابة وملتزم بضوابط الرهن العقاري وكذلك تعليمات البنك المركزي الرقابية لمنع أي زيادة بحالات التعثر قد تمثِّل خطراً على ملاءة الممولين وجودة الأصول لديهم والمطالبة الثالثة بالقيام بدراسة إكتوارية من الصندوق للتأكد من كفاية رأس المال فلا نظن أنها غير موجودة لأنه صندوق حكومي، فالثقة فيه مطلقة والتزاماته مضمونة وبالتأكيد لدى الصندوق موازنة متضمنة ما يقدمه من دعم وفق قدراته وملاءته الحالية والمستقبلية بالإضافة لأدوات عديدة تمكنه من القيام بمهامه وفق إستراتيجيته، لكن ما كان مأمولاً أن يطلب هو ما يساهم بتوازن السوق وذلك عبر عدة مقترحات كأن يربط الدعم بالمشاريع الجديدة التي ترتبط مع برامج وزارة الإسكان والتي تطرح بمنتجات متنوعة وأسعار مناسبة مما يشجع على زيادة كبيرة بهذه النوعية من المشاريع بينما من يريد الشراء من المنتجات الأخرى القديمة المطروحة بالسوق أو من مطورين غير مرتبطين ببرامج الإسكان وتكون تكاليفها عالية فتكون معايير الدعم مختلفة إذا كان من مستحقيه.
قد يسأل البعض لماذا لم يقترحوا حلول تتعلَّق بالعرض من المنتجات السكنية والسبب أنهم ناقشوا تقرير الصندوق العقاري الذي لا علاقة له إلا بالتمويل ولكن من خلال آليات التمويل يمكن توجيه السوق نحو المنتجات المشيدة بطرق تطوير ذات جودة عالية وتكاليف مناسبة وبتقنيات البناء الحديثة الأقل تكلفة من التقليدية فطلب رفع القروض قد يسهم برفع الأسعار كنتيجة طبيعية لزيادة النقد كما أن التوقيت الحالي الذي ترتفع فيه أسعار الفائدة يفترض أن أخذ بعين الاعتبار فصحيح أنه طلب دراسة والتي سيتضح بنهايتها ما يمكن عمله إلا أن هناك جوانب تتعلَّق بسوق التمويل العقاري تحتاج لدراسات استشرافية للمستقبل ليكون سوقاً ناضجة داعمة لصناعة التطوير العقاري الذي يعد من أهم القطاعات الداعمة للنمو الاقتصادي، حيث يدعم الطلب من خلاله منتجات وأعمال أكثر من مائة نشاط بالاقتصاد ويولد فرص عمل واستثمار ضخمة.