عطية محمد عطية عقيلان
السلوك الذي يقوم به الإنسان دون قيد أو جهد أو سبق إصرار وتخطيط مسبق له، يسمى «عفوية» ويتم بردة فعل ودافع طبيعي، دون انتظار إعجاب أو مكسب أو فائدة منها، وفي ظل تشعب وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المختلفة، يلتقطون قصة من هنا أو هناك لموقف عفوي، وتسليط الضوء عليه، وإشباعه تحليلاً وتفصيلاً، وحتى الآن الأمور عادية، ولكن عند استضافة من قام به، يفقد بريقه، ويصبح تفسير وأسباب ما قام به، مع أسئلة سطحية في الغالب، لتستخف هذا الموقف العفوي وبساطة فكر من قام به. متناسين أن سبب انتشاره، هي «العفوية» وعدم التخطيط للقيام به، سوى ثقافته والدافع الأخلاقي الطبيعي وردة فعل في وقتها دون حساب لشهرة أو عائد أو انتشار، وما ساهم في ذلك امتلاك الغالبية لأجهزة هاتف متنقل، تصور الحدث وتبحث عن لقطة من هنا أو هناك، وتحولت بعض الأفعال العفوية إلى مادة دسمة في وسائل الإعلام، ومعها تفقد بريقها وتتحول أحياناً إلى مادة سمجة بطريقة طرحها وحديثها عن الموقف «العفوي» الذي تم بدافع طبيعي، بفزعة، وتسليط الضوء وكأنها إنجاز كبير يستحق هذه الاستضافات في وسائل الإعلام، وللحق هناك لقطات تنتشر دون استضافة من قاموا بها، ومشاهدتها تدخل السرور والبهجة وتدعو للفخر، وأن الخير في الناس، مثل ما يقوم به فريق «إنجاد» للبحث والإنقاذ، والذي يضم مختلف شرائح المجتمع، بالتطوع الشخصي، ومركباتهم ومهارتهم، فهي تضم أيضاً متطوعين بطائرات شراعية، وكاميرات درون، ويتم أيضاً بعفوية توثيق ما يقومون به من فزعات ومساعدة للآخرين، مثل ما حدث من إنقاذ سائق شاحنة أردني، انحرفت شاحنته وعلقت وسط الرمال، ليهب له متطوعون من فرق إنجاد وتم إخراج شاحنته العالقة وسط الكثبان الرملية، علماً أن جلهم لا يعرفون بعضهم مسبقاً ولكن يجمعهم حب الخير والفزعة، وكذلك ما تم رصده بطريقة عفوية ولقطات لتعامل رجال أمن مع حجاج أو معتمرين.. إلخ من قصص عفوية ملهمة وإيجابية، وتكون لقطات وصور معبرة وتنتشر دون حاجة إلى تلميع ولقاءات واستضافات لمن قاموا بها، فالعمل يتحدث عن نفسه، وهي قوة ناعمة مؤثرة فاعلة في تحفيز الآخرين على الإيجابية في العمل والتطوع والعطاء، ولها أثر في كل قصة وموقف ومساعدة وعملية بحث وإنقاذ عائلة أو فرد، تاه أو فقد في الصحراء، وبمجرد أن يبدأ الإعلام باستضافتهم والبحث عن مادة لتعبئة ساعات البث، يتم المبالغة فيما تم تقديمه، بل نشجع الآخرين على اتصنُّع في افتعال لقطات وردّات فعل «عفوية أمام الكاميرات فقط» من أجل كسب متابعين وتحقيق متابعات أكثر، ومن ثم استضافات لتتحول إلى المبالغة والتهويل أحياناً، لأنها تصبح حديثاً عن النفس وبطولاته الفردية، وكما يقول جورج برنادشو «أكثر الناس كذباً، من يكثر الحديث عن نفسه».
خاتمة: رغم التطور التكنولوجي، واستخدام العديد من الخدع والفوتوشوب والمونتاج، إلا أن ردّات الفعل الإيجابية والعفوية، سواء أقوال أو أفعال ما زالت ذات أثر وتأثير أكبر على المتلقي، لاسيما من أصحاب الفزعات والهمم ومن يقدمون خدماتهم دون انتظار شكر أو استضافة، لإيمانهم بدورهم الإنساني والإيجابي في الحياة ورغبة في حسن العمل لمجتمعاتهم، وهمسة لكل إعلامي لا تقتلوا العفوية الحميدة التي نراها، بتحويلها إلى تحقيق صحفي مبالغ فيه، لأنها ستسقط بتكلف، وإضافة ما لا يصح عليها، وليكن دافع كل من يعمل في العمل التطوعي خدمة الناس بدون انتظار تصوير أو لقاء، حتى لا يتحول إلى تصنع «العفوية»، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيرُ الناسِ أنفعُهم للناسِ).