م.مصعب الداوود
يطلق وصف المريض على من أصابته علّة من العلل، وهذه العلّة لا تجعله يعيش حالته الطبيعية، وخلال فترة المرض، يحاول ذاك المعلول اتباع طرق العلاج بشتى الوسائل، وقد لا تنجح هذه الطرق في طرد تلك العلل وقد تنجح إذا عرف أسباب العلة ليعود كما كان وأفضل، ولنعد إلى موضوع المقال، لقد أطلق هذا اللقب (الرجل المريض) تاريخياً على الدولة العثمانية وذلك مع منتصف القرن التاسع عشر تقريباً، حيث عانت الدولة في ذلك الوقت من مشاكل وعلل وضعف سببت تقلصاً في مساحتها وأصبحت معرضة للحروب مما دعا إلى تسميتها بالرجل المريض، ومن أطلق هذا المسمى على العثمانيين هم بلاد الجوار الذين كان فيما بينهم قرون من المعارك والنزاعات المتعددة وأعني بذلك الأوروبيين، ولكن كيف كان حال تلك الدولة؟ لقد بدأ تأسيس هذه الدولة في القرن السابع الهجري على يد إحدى القبائل التركية التي هاجرت من بلاد آسيا الوسطى هرباً من بطش المغول، في أثناء اتجاههم جهة الغرب، كانت هناك معركة عند هضبة الأناضول وهي ما تسمى عند المؤرخين آسيا الصغرى والتي تتكون في معظمها أجزاء الجمهورية التركية، في تلك المعركة قام العثمانيون بالمشاركة بالمعركة وانتصر الطرف الذي كانوا معه، كان هذا الطرف تركياً أيضاً وهو المعروف تاريخياً بالسلاجقة، ونتيجة لمساعدة العثمانيين للسلاجقة فقد أقطعوهم أرضاً صغيرة في الأناضول، استمر العثمانيون بقيادة مؤسسهم عثمان أرطغرل في التوغل في أنحاء الأناضول حتى أحاطوا بالمدينة التاريخية المنيعة وهي القسطنطينية عاصمة الدولة البيزطية، وبعد عدة محاولات تمكن العثمانيون من فتح المدينة في عهد السلطان محمد الثاني بن مراد والمعروف تاريخياً بالفاتح لفتحه القسطنطينية.
لم يتوقف العثمانيون عن التوسع والتوغل في شتى الحدود فقد ضموا دول أوروبا الشرقية البلقانية كصربيا وبلغاريا والمجر حتى وصلوا أسوار فيينا في عهد السلطان سليمان القانوني، ثم تحولت فتوحاتهم جهة الجنوب إلى بلاد الشام ومصر والحجاز، لقد عاشت هذه الدولة مرحلة من القوة استمرت لحوالي خمسة قرون، ثم بدا عليها الضعف ودخلت في منزلق القروض والديون الأوروبية وسقطت بعض ولاياتها في أيدي الاستعمار الأجنبي منتصف القرن التاسع عشر، كانت لهذه الدولة مكانة في قلوب المسلمين، وذلك لاهتمامها بالمسلمين بجميع أقطارهم وأعراقهم لا تفرقة وكانت سداً منيعاً في وجه من يهاجم أراضيها المتسعة في أوروبا وآسيا وإفريقيا، أضف إلى ذلك من المنجزات ما أنتجته هذه الدولة من آثار حضارية وعمرانية أدهشت القاصي والداني وأثرت الحضارة الإنسانية وأبهرت السياح حول العالم كما نرى ذلك في الإبداع المعماري في المساجد والأسواق التاريخية (البزارات) والقصور السلطانية والمتاحف المتنوعة، ولكن وكما قيل لكل شيء إذا ما تم نقصان فقد تفككت أجزاء هذه الدولة نظراً للحروب المتعددة التي خاضتها في أوروبا إضافة إلى محاولة الكثير من الدول والولاة الاستقلال مثل دول البلقان، وفي بداية القرن العشرين، تفككت أجزاء هذه الإمبراطورية أثناء الحرب العالمية الأولى وتم تنحية السلطان العثماني وإلغاء السلطنة العثمانية على يد مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية الحديثة، لقد بقيت آثار هذه الدولة شاهدة على الكثير من الأحداث وغارسة في الأجيال الدروس التاريخية المستفادة فقد استمرت هذه الإمبراطورية لحوالي ستة قرون.