سهوب بغدادي
فيما احتضنت وزارة الثقافة معرض الرياض الدولي للكتاب لعام 2022 الذي استمر لمدة 10 أيام في منتهى الجمال، إذ شهد المعرض إقبالًا غفيرًا وليس مستغربًا من محبي العلم والثقافة، في هذا النسق، عاهدت نفسي أن أقوم بعملية تمشيط للمعرض وخفاياه، ويشمل ذلك الكتب والدور العربية والعالمية وغيرها من الخفايا التي لا يلتفت لها زائر معرض الكتاب في العادة، ويطلق على الظاهرة العمى غير المقصود أو تجربة الغوريلا الخفية، وتتلخص الظاهرة في إغفال العقل في إدراك حافز غير متوقع حدوثه نتيجة قلة الانتباه فقط وليس بسبب عيب إدراكي أو جسدي، لذا اعتزمت ألا أتشتت وأقع في الفخ الباهر وأغرق في بحر الأوراق، بالطبع مررت بجميع الدور العربية والفرنسية والعربية الناطقة باللغة الفرنسية والإنجليزية، وقابلت شخصيات عديدة مثيرة للاهتمام، فمنهم المناضل التونسي د. المنصف الشابي الذي وقع لي نسخة من سيرته الذاتية باللغة الفرنسية، وسعدت بتجاذب أطراف الحديث معه بالفرانكوفونية حول الغربة وقصة كفاحه وأمور ذات علاقة، لأقابل ابنه محمد بعد برهة من الحديث وأسأله عما إذا كان فخورًا بوالده اليوم، والإجابة معروفة بالتأكيد، من ثم جذبني حديث لنفر اجتمعوا حول شخص لا ينطق إلا حكمًا، فاقتربت منهم لأنهل من الحكم، ولا أذكر الحكمة التي طلبت منه إعادتها نظرًا لكثرة الأمور التي كنت أريد أن أسأله عنها، كان الدكتور نزار محمود قاسم الشيخ الأستاذ في دكتوراه الفقه المقارن والباحث في السيرة النبوية المصورة حريصاً كل الحرص على شرح مؤلفاته الوفيرة والتي تختص بتصوير كل ما يخص الرسول عليه الصلاة والسلام ابتداء من مسار الهجرة وصولًا إلى جميع مساجد النبي التي صلى فيها، علاوة على صنعه محرابًا مصغرًا محاكيًا لما كان عليه محرابه صلوات الله وسلامه عليه في الحقيقة، وأكرمني الدكتور بهداياه القيمة مشكورًا، في ذات اليوم مررت بالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وكان تواجدهم فعالًا في مجال التوعوية بحقوق اللاجئين، كما تم توزيع دراسة مقارنة مفصلة حول الفرق بين اللجوء في الإسلام قديمًا وفي العصر الحالي، ومازلت بصدد قراءة البحث الشيق، لأوافيكم بخلاصته إن شاء الله، أيضًا تم عرض أعمال حرفية ويدوية قام بها اللاجئون ويعود ريعها لهم مباشرة، يمكن الاستزادة حول تفاصيل الموضوع من موقع المفوضية.
من ناحية أخرى، استمعت إلى ملاحظات الزوار والناشرين وبعض الكتاب، فكانت شكوى الزوار تتمحور حول غلاء سعر الكتب مع الضريبة، فما الفائدة من معرض الكتاب إذا كان يقدم ذات الأسعار المتواجدة في السوق؟ فيما عبر الناشرون عن صعوبة الدخول من البوابات بسبب التزاحم في الصباح نظرًا لتواجد سير تفتيش كهربائي واحد فقط عند كل باب، فما المانع من وضع أكثر من سير تفتيش لتسريع العملية؟ في الوقت الذي أشار العاملون في المعرض على عدم توفر الطعام الجيد أو السماح بدخوله من خارج المعرض، فالاعتماد على المقاهي لمدة 10 أيام أمر صعب التحمل ومكلف بحسب أخواننا المصريين حيث قال لي أحدهم «القهوة هنا بـ15 ريالا عشان كده مش هعملك تخفيض عالكتب»، في خضم سبر أغوار المعرض تصطدم بأنابيب «أسطوانات» غاز! كتب عليها تحدث العربية فعلمت أنها حركة ذكية لإيصال رسالة حول أهمية اللغة العربية كونها مورداً طبيعياً مثل الغاز، حسبما أشار صاحب المبادرة الأستاذ عبدالإله الأنصاري الذي استطرد في الشرح بشغف حول أهمية اللغة العربية إسلاميًا وثقافياً وحتى اقتصادياً، ولا يسعني هذا المقام أن ألخص ما دار حول اللغة أو المبادرة لذا سأقوم بتخصيص مقال لاحقًا عن الموضوع لأوفيه حقه، في سياق متصل، كانت وزارة التعليم حاضرة، وتحدثت إلى الدكتورة عبير الشمري التي أخذتني في رحلة المناهج السعودية منذ القدم وصولًا إلى يومنا الحالي خاصةً تلك التي تعنى بالمسارات التعليمية الحديثة وكان أبرزها التفكير الناقد، أيضاً أبهرتني رعاية صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل رئيس هيئة جائزة الملك فيصل بنشر المعرفة من خلال مشروع 100 كتاب وكتاب لتبادل المعارف بين الثقافات المختلفة، حيث أخذت نسخًا عديدة باللغتين الفرنسية والعربية عن شخصيات عربية شهيرة وأخرى فرنسية فلهم الشكر الجزيل، كما كان حضور كلية الملك فهد الأمنية لافتاً من خلال توفير الأبحاث المتعلقة بالأمن السيبراني ومكافحة الإرهاب ودور الصحافة، وكلها توزع بالمجان، حيث كانت محصلتي 45 كتابًا ومتوسط ما أنفقته 350 ريالاً فقط لا غير، فلا أحبذ عملية الشراء المفرط وإن كان الغرض كتابًا، فالكتب متواجدة طوال العام لكن بعض الكتب والأبحاث تعتبر كنزًا يستلزم البحث والتنقيب عنه وقد تكون مجانية مثلما ذكرت، فمجمعة «مانجا العربية» توزع مجانًا على سبيل المثال وتترافق بفعاليات ممتعة ككتابة الاسم باللغة اليابانية وركن التلوينولم أتمكن من حضور الفعاليات والأمسيات المصاحبة للمعرض سوى ندوة حول الصحافة للأستاذ القدير خالد المالك -حفظه الله- التي تحدث فيها عن الصحافة ومستقبلها في ظل الثورة الرقمية ووهج الصحف الإلكترونية، وقبل أن أختم مقالي أتوجه بالشكر لهيئة الهلال الأحمر على دورها الفعال في حماية الزوار والتدخل السريع في حال الخطر بتقديم الإسعافات اللازمة وقت الحوادث-لا قدر الله-، وفق ما ذكرت لي الدكتورة ندى حمود الشعراني، إن الإقبال كبير لكن لا يعني بالضرورة تماشيه بالتوازي مع القوة الشرائية لذا يستحسن إيجاد آلية للترويج للمنتجات فضلًا عن الترويج والإعلان عن المعرض بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي، فتوقيت المعرض مع فعاليات أخرى سحبت جزءًا من الزوار بلا شك، لا أخفيكم أنني لم أكتفِ ولن أكتفي من المعرض، لكن عزاءنا كل عام أنه سيعود كل عام في خير وعلى خير.