الثقافية - علي بن سعد القحطاني، أحمد الجروان - تصوير: فتحي كالي:
استضاف معرض الرياض الدولي للكتاب في يومه الثامن يوم الخميس المنصرم، الأستاذ: خالد بن حمد المالك، رئيس التحرير، ورئيس هيئة الصحفيين السعوديين، ورئيس اتحاد الصحافة الخليجية، ضمن برنامج حديث الكتاب بعنوان: «حياة في الصحافة»، وقد أدارت الأمسية الأكاديمية والكاتبة الصحفية أ.د.فوزية بنت بكر البكر، التي افتتحت اللقاء بكلمة مقتضبة عن الضيف وعن أبرز إنجازاته، لتدلف إلى المحور الأول وهو قضية وضع المؤسسات الصحفية من الناحية المالية، وهل فعلاً هي تواجه أزمة تنبئ برحيلها؟
فأجاب الأستاذ خالد المالك بقوله: إذا أردنا أن نتحدث عن هذه القضية فيجب أن نكون واقعيين في طرحنا ومنطقيين وموضوعيين في مناقشة هذه القضية، ويجب أن نفرق أيضًا بين الصحيفة وبين المؤسسة الصحفية, اليوم مضى على إنشاء المؤسسات الصحفية أكثر من ستين عامًا تشكل خلال هذه الفترة الشخصية للمرجعية الصحفية في المملكة، وأصبح لدينا تجربة ثرية وغنية لبناء عمل إعلامي صحيح ليتناسب مع مستوى المملكة، كثير من الإعلاميين الموجودين اليوم في الساحة هم من أبناء المؤسسات الصحفية، لم يكونوا معروفين، وأكثرهم ليسوا من خريجي أقسام إعلامية وظهر منهم الأديب والمثقف والشاعر، الآن هناك فقر كبير جدًّا في عدد الصحفيين والإعلاميين في المملكة والسبب توقف المؤسسات الصحفية عن الإنتاج، لم يعد لدى المؤسسات الصحفية القدرة على استيعاب شباب تعلمهم وتدربهم وتعطيهم الثقة في ظل الشح المالي، الجانب الثاني: وهو ما يتعلق بالدعم، فكثير ممن علّق على هذه المسألة اتهم المؤسسات بالتسول, خاصة عندما تتم مطالبة الدولة بدعم المؤسسات الصحفية، أنا أقول لهؤلاء إننا جميعًا شركاء في بحثنا عن إعلام قوي وموضوعي يخدم المملكة، وأقول لهؤلاء: في أمريكا تدعم الصحف والكونجرس أقر هذا الأمر، وفي فرنسا تدعم الصحف، وجميع الدول الأوروبية تدعم صحفها ولدينا الحقائق والوثائق والأرقام التي تثبت ذلك؛ إذًا فالصحف إذا توجهت إلى المقام الكريم وطلبت الدعم فهي تنطلق من مبدأ أن هذه المؤسسات الصحفية وجدت من أجل خدمة المملكة، والنظرة إليها على أنها مؤسسات تجارية غير صحيح، أنا لا أستطيع أن أبيع صحيفة الجزيرة أو الرياض أو أي صحيفة أخرى على أي جهة استثمارية خارجية، ولكني أستطيع أن أبيع أي شركة تجارية لأنها ضمن الاستثمار، فالمؤسسات الصحفية لا تملك سجلاً تجارياً وهي ليست منصة استثمارية.
ومن يستكثر على أعضاء المؤسسات الصحفية الأرباح التي كانت تحققها المؤسسات، ويلومونهم اليوم لأنهم لم يستثمروا هذه الأموال، أقول لهؤلاء لو استثمر أعضاء المؤسسات الصحفية هذه الأموال قبل 60 سنة في أراضٍ في شمال الرياض على سبيل المثال لكانوا من أثرياء المملكة، ولكنهم في استثماراتهم بالمؤسسات الصحفية لم يأخذوا إلا النزر اليسير من الأرباح يقابله هذه المباني والمطابع التي تعد من أفضل المطابع في العالم، وهؤلاء الشباب والشابات الذين استثمرتهم الصحف في عملها وأنفقت عليهم الكثير كل هذه الأمور هي من الأرباح.
وأنا كتبت الكثير من المقالات عن أهمية دعم المؤسسات الصحفية واجتمعت مع كثير من المسؤولين بشأن موضوع دعم المؤسسات الصحفية، ولم أتحدث عن الجزيرة في يوم من الأيام بل تحدثت عن المؤسسات الصحفية مجتمعة بحكم أقدميتي بين الزملاء وبحكم رئاستي لهيئة الصحفيين، وبحكم وطنيتي التي تدفعني لكي أحرص على كل صحيفة في البلد حرصي على صحيفة الجزيرة لكي تبقى الصحف قادرة على أن تواجه الحملات الشرسة ضد المملكة، وقادرة على أن تنقل الصورة الجميلة والتغيرات الإيجابية إلى العالم، والدولة تدرس هذا الموضوع وسمو الأمير محمد بن سلمان مهتم بهذا الموضوع، ووزير الإعلام يتابعه بحرص كبير، وأنا على يقين وعلى ثقة مثلما تم دعم الترفيه، ودعم الرياضة، ودعم السياحة، ودعم الثقافة، سوف يأتي الدور على المؤسسات الصحفية لدعمها، بشباب يستطيعون أن يكملوا المسيرة ممن تشربوا العمل الصحفي، لهذا أتمنى أن نناقش هذا الأمر بموضوعية ولا نخسر الصحافة الورقية دون أن تكون لدينا صحافة رقمية قادرة حتى لا نجد أنفسنا ذات يوم بلا هذا الصوت الذي ظل لسنوات طويلة مؤثرًا وقادرًا على أن يعبر التعبير الصحيح عن المملكة ومنجزاتها.
بعد ذلك تداخلت د.فوزية البكر بقولها: صحافتنا الورقية ضرورية، وكل بلد في العالم فيه صحافة ورقية، ومن هنا نتمنى أن تنال مؤسساتنا الصحفية الدعم الذي تستحق، لتستطيع القيام بدورها في تدريب الأجيال الجديدة من الصحفيين والصحفيات والكتاب والكاتبات.
الدكتورة فوزية البكر، أستاذ خالد، باعتبارك رئيس هيئة الصحفيين السعوديين، وقد تم تجديد الثقة باختيارك رئيساً للهيئة وهذا يدل على رضا الصحفيين عن أدائكم، اسمح لي أن أسألك عن دور الهيئة، ماذا يمكن أن تقدم الهيئة للصحفيين، فيما لو صار لهم إشكال مثلًا؟
وقد أجاب الأستاذ خالد المالك بقوله: هناك الكثير من الملاحظات على هيئة الصحفيين، وأنا من بين هؤلاء الذين يحملون هذه الملحوظات، ولبيان ذلك أقول:
أولاً: نحن بدأنا بفكرة إنشاء هيئة الصحفيين السعوديين قبل أكثر من عشرين عامًا ونجحنا رغم أن الظروف في تلك الفترة لم تكن مهيأة لإنشاء الهيئة، وعندما أقول نحن فإنني أقصد مجموعة من رؤساء التحرير: تركي السديري، هاشم عبده هاشم، خالد المالك وغيرهم، وقد نجحنا في إنشاء الهيئة ونجحنا في حصولنا على أرض للهيئة وعلى تمويل لبناء مقر الهيئة على الأرض الممنوحة، تركي السديري رئيسًا للمجلس، وأنا نائبًا للرئيس في دورتين.
ثانياً: هناك جمعيات تسمى إعلامية مرخصة من وزارة الموارد البشرية وتدعم بمبالغ من الوزارة لكي تستطيع أن تستمر وتقوم بدورها، وهيئة الصحفيين ليست تابعة لوزارة الموارد البشرية وإنما هي مرخصة من وزارة الإعلام والوزارة لا تدعم هيئة الصحفيين، وقد طالبنا بميزانية لكي تستطيع الهيئة القيام بأدوارها، ووزارة الإعلام عندها أسبابها وهي موضوعية ومقدرة في جانب، وغير موضوعية وغير مقدرة في جانب آخر، لذا فإن هيئة الصحفيين لا تستطيع القيام بأدوارها، ولا تستطيع أن تقدم أكثر مما قدمت، وهناك جمعيات تسمى إعلامية ولا زالت تؤسس وهي تضر بقيمة ومكانة هيئة الصحفيين، وأقول هذا الكلام لأن مجلس الوزراء أصدر قرارًا بأنه لا يجوز لأحد أن يمارس العمل الصحفي إلا إذا كان عضوًا في هيئة الصحفيين وهي تمثل المجتمع الإعلامي داخل وخارج المملكة ويطلب منها تقارير عن حقوق الإنسان وعن حرية الرأي وإلى غير ذلك، وهذا لا يطلب من جهة ما لم تكن جهة محايدة والهيئة هي هذه الجهة، ولكن هذه الأعمال تتم بدون ميزانية وبدون دخل وبدون إمكانيات، ونحن نفكر أن نؤجر جزءاً من مبنى هيئة الصحفيين، وحتى لو تطلب الأمر تأجير المبنى كاملاً.
وقد تداخلت د. فوزية البكر بقولها: إذا كانت وزارة الإعلام هي من رخص لهيئة الصحفيين فهي الخصم والحكم، والهيئة مهمة كبقية القطاعات، وهذا يدفعنا إلى سؤال مهم في هذا الميدان، هل تستطيع الهيئة أن تدافع عن صحفي في وجه جهة معينة؟
وقد أجاب الأستاذ خالد عن ذلك بقوله: لدينا في هيئة الصحفيين محامون متطوعون للدفاع عن الصحفيين، كل صحفي لديه مشكلة في النشر يستطيع أن يلجأ للهيئة وهي تزوده بمحامٍ مجانًا، والهيئة لا تقبل أن يساء لأي صحفي أو إعلامي، وعندنا خطوات مهمة قادمة، أبرزها تحويل الهيئة إلى اتحاد، مثل: الاتحاد العربي، الاتحاد الدولي، للتفريق في المسمى بينها وبين الهيئات الحكومية الكثيرة، حتى لا يكون هناك تشابه في الاسم، ولدينا مشروع نظام جديد للهيئة حتى تكون الصحافة الرقمية ضمن اختصاص الهيئة، وهناك أعمال كثيرة تتم الآن، وقد فتحنا 17 فرعاً في عدد من مناطق ومدن المملكة ممولة دون دعم من وزارة الإعلام، ودخلنا في اتحاد الصحافة العالمية شركاء فيه، لدينا نائب رئيس اتحاد الصحافة العربية، بمعنى أننا موجودون ومؤثرون في اختيار النواب والأعضاء والأمناء في اتحاد الصحافة العربية، ولدينا حضور في الدفاع عن المملكة وحقوق الإنسان وحرية الرأي، وقد نجحنا في تصحيح الصورة المشوهة التي يتعامل بها الآخرون مع المملكة، ولكن هل هذا طموحنا؟ هل هذا هو الذي يرضينا؟ لا، نحن طموحنا أكبر ونحتاج إلى التوسع أكثر من ذلك.
وقد تداخلت د.فوزية البكر، بقولها: نلاحظ عزوف الكتاب عن الكتابة في الصحف وبالتالي ضعف المحتوى وقلت المتابعة، فما الحل؟
وقد أجاب الأستاذ خالد المالك بقوله: في ظل الظروف الراهنة كل المؤسسات الصحفية اتخذت عدة إجراءات ترشيدية، من أبرزها تخفيض عدد الصفحات، وكمية الطبع، وإيقاف المكافآت للكتاب، وأقفلت مكاتبها في الداخل والخارج، محاولة للإبقاء على الحد الأدنى من متطلباتها، والكتاب إذا توقفت مكافآتهم لن يكتبوا مجانًا فخسرت الصحف أقلاماً نيرة ومؤثرة وصادقة ومخلصة من خلال هذا الشح في الموارد المالية، ومن ثم ضعف المحتوى، وبالتالي ضعف الإقبال على الصحف، وهذا طبيعي، وعندما توقف مؤسسات الدولة كل اشتراكاتها في الصحف، وكل إعلاناتها، وتسمح بالإنفاق على المواقع ومنصات المشاهير من خلال الإعلانات، فهذا يضعف الصحف، على سبيل المثال حملة التعداد مطلوب من الصحف تغطيتها مجانًا بينما الفضائيات ووسائل الإعلام الأخرى تأخذ مقابل ما ينشر فيها من إعلانات، وزارة التجارة أوقفت نشر ميزانيات البنوك والشركات في الصحف، وهذا اجتهاد في غير مكانه، نريد صحافة ورقية تقرأ وتتحول إلى الرقمي بدعم من الدولة أمام هذا الظرف الصعب الذي تمر به الصحف، الكتاب كتبوا لسنوات مضت دون مكافآت ومجانًا ولكن الأمر طال، والمدة استغرقت أكثر مما يحتمل فتوقفوا عن الكتابة ولم يبق إلا القليل من هؤلاء، وهذه المشكلة ليست مشكلة سعودية بل مشكلة عربية وعالمية ولذلك يجب ألا نحمل المؤسسات الصحفية السعودية المسؤولية وكأننا منفردون بهذه المشكلة.
وقد تداخلت د. فوزية البكر فقالت: إذًا هناك مشكلة كبيرة في الصحف الورقية، وأنا أقدر فيك عقلية المدير التنفيذي الحكيم، الذي يتخذ قرارات عملية مثلاً تأجير جزء من مبنى صحيفة الجزيرة، وما هي الخطوات التي عملها عميد الصحافة خالد المالك في صحيفة الجزيرة لتكون مواكبة رقمية؟
وقد أجاب الأستاذ خالد المالك بقوله: ما طرح عن تأجير مبنى صحيفة الجزيرة غير دقيق، وأرجو أن يكون ذلك خارج تأثير موضوع الهلال والنصر، مبنى الجزيرة مساحته عشرون ألف متر أجرنا منه عشرة آلاف متر وبقي لنا عشرة آلاف ولم نحرك المطابع من مكانها والمساحة المتبقية للأجهزة الإدارية والصحفية فائضة عن حاجتنا، ويجب أن نكون واقعيين وموضوعيين في مناقشة هذه القضية، وشركات كثيرة تؤجر مبانيها فما المشكلة في ذلك؟، المشكلة أنهم يريدون عدم تأجير هذا الجزء من المبنى حتى تنتهي المؤسسة، ولم تكن الجزيرة الأولى في هذه الخطوة فقد سبقتها صحف أخرى، وليست قضية الجزيرة فقط ولكنها دون غيرها استهدفت بهذا الموضوع ولم نعره أي اهتمام، ولم نرد، والتأجير قرار حكيم من مجلس الإدارة ومن الجمعية العمومية، وكان يجب أن يتم ذلك، ولا يعيب ذلك الجزيرة أو غيرها.
وقد تداخلت د, فوزية البكر بقولها: قبل فترة وجيزة صرح أحد رؤساء التحرير بتصريح قوي وهو أن المؤسسات الصحفية ستنتهي بعد شهر, فما رأيكم؟
وقد أجاب الأستاذ: خالد المالك بقوله: في نظري من الصعب جدًّا تحديد موعد معين لتوقف أي صحيفة، لكن الخطورة المستقبلية على المؤسسات الصحفية قائمة مالم يحدث تغيير جذري وجوهري ودعم كبير لهذه الصحف وإلا فمصيرها التوقف كما أشار إلى ذلك الزميل الدكتور عثمان الصيني، لكن التوقف سيكون بحسب ظروف كل مؤسسة أي أن التوقف لجميع الصحف لن يكون في وقت واحد، ويجب أن نفرق بين الصحف وبين المؤسسات الصحفية، فاليوم لا توجد أي مؤسسة صحفية لديها إيرادات تغطي مصاريفها، بعض المؤسسات لديها احتياطيات ويصرف من هذه الاحتياطيات، وبعضها الآخر ليس لديها احتياطي وتسجل خسائر سنوية، وحتى هذه الاحتياطيات ستتآكل مع الزمن مالم تتفوق الإيرادات وتزيد على المصروفات، فالإيراد التشغيلي هو المعيار.
البعض يقول لنا لماذا لا تعملون في التجارة فنرد عليهم بأننا لا نستطيع، لأنه ليس لدينا سجلات تجارية فلسنا مثل البنوك والشركات الأخرى، ولكن ربما يسمح لنا الآن بمزاولة التجارة في ظل معاناة الصحف الحالية.
وقد تداخلت د.فوزية البكر فقالت: قد تتغير الكثير من القوانين التي كانت موجودة، ويمكن أن تتطور المؤسسات الصحفية، ولابد من التطور الرقمي لماذا لا نكون مثل الاندبندنت وغيرها، لماذا لا نعمل مثلهم؟
وقد أجاب الأستاذ خالد المالك بقوله: نظام المؤسسات الصحفية يجب أن يعاد النظر فيه فهو نظام قديم وفيه من الثغرات الشيء الكثير، وولد قبل التطور التقني والثورة المعلوماتية، ويجب صياغته بما يلبي المرحلة القادمة، فلا يمكن أن يكون لدينا نظام عمره ستون سنة والتعديلات التي تمت أكثر من مرة عليه هي تعديلات شكلية، ولم تستطع وزارة الإعلام في كل هذه السنوات الطويلة أن تحدث تغييراً حقيقياً في مواد هذا النظام الذي ولد في فترة جميل الحجيلان.
صحيح أن هذا النظام كان فاعلاً ومؤثراً قبل ستين عامًا حين تحولت الصحف من صحافة الأفراد إلى صحافة المؤسسات، وكان نظامًا متقدمًا وتنويريًّا، ولكنه أصبح الآن خارج التعامل مع المستجدات ويجب أن يستفاد من الخبرات في كليات الإعلام وهم مؤهلون، ولدينا خبرات أخرى ممن عملوا في المؤسسات الصحفية، ونستطيع من هؤلاء أن نصمم نظاماً يخدم المؤسسات الصحفية.
وتداخلت د.فوزية البكر: أستاذ خالد، اسم هذه الندوة حياة في الصحافة ولا نريد أن نتحدث أكثر من ذلك عن هذه الشؤون، ولذلك اسمح لي أن أسألك ما هو أكبر مطب واجهك في حياتك الصحفية؟
وقد أجاب الأستاذ: خالد المالك بقوله: أنا ما عمري كنت قلقاً، وعندما أذهب إلى بيتي وأضع رأسي على المخدة أنام وأنا مرتاح، مريت بظروف كثيرة ودخلت المحاكم وصدرت عليّ أحكام ولكن كلها لم تؤثر عليّ، عندي يقين بأنني لا أحمل أي أجندة إلا خدمة وطني وقيادتي الرشيدة.
وتداخلت د.فوزية البكر: ولكن أستاذ خالد عندما يتعرض الإنسان لحادثة معينة ويفقد عمله 15سنة, نتيجة لحادثة معينة، وهي نشر قصيدة غازي القصيبي، فهل تحدثنا قليلاً عن ذلك؟
وقد أجاب الأستاذ: خالد المالك بقوله: أنا عندما تركت العمل وقف معي زملائي جميعهم من مدراء عموم المؤسسات الصحفية ورؤساء التحرير، الذين سارعوا بترشيحي لأكون مديرًا عامًّا للشركة الوطنية للتوزيع وأناطوا بي تأسيس هذه الشركة، وقد اتصل بي المرحوم معالي أحمد صلاح جمجوم، وقابلني في الرياض، وعرض عليّ منصب المدير العام بنفس ميزاتي وقال لي إن كان ذلك غير مناسبٍ فيمكن أن أقنع زملائي المدراء العامّين للمؤسسات الصحفية بزيادة عما هو مخصص لك، وقد شكرته وقبلت بعرضه.
الأمر الآخر أنني بعد الجزيرة دخلت في مجالات عمل أخرى فلم يكن عندي فراغ، فقد اتصل بي معالي وزير الزراعة د.عبدالرحمن آل الشيخ، وقال لي ألا تريد أن تصبح مزارعًا؟ وسنعطيك أرضًا، وقرضًا، وتزرع القمح، وهي مغرية في ذلك الوقت، فالتعاطف معي كان قويًّا، وقد أغراني العرض، وزرعت وربحت منها الكثير، وكانت ثورة الأسهم وقد شجعتني لأفتح مكتب أسهم وربحت منه الكثير، وسبق أن فتحت مؤسسة إعلامية في ذلك الوقت لطباعة كتب إعلامية لجهات حكومية، فلم يكن إذاً عندي فراغ أو مشكلة في مصادر الدخل، ولكن مع كل هذا ذهبت للأمير نايف رحمه الله، وقلت له أنتم طلبتم مني الاستقالة من رئاسة تحرير صحيفة الجزيرة وبقي علي 6 سنوات حتى أتقاعد وأتقاضى معاشًا من التأمينات الاجتماعية، فقال لي ما هو المطلوب، فقلت له زيادة عمري 6 سنوات، فتعجب الأمير وقال لي الناس تطلب تصغير أعمارها وأنت تطلب تكبير عمرك فوافق وقال ما فيه مانع وكبرني 6سنوات، وهذه السنوات صارت عبئًا علي حتى اليوم، في أمريكا مثلاً كانت لديّ رخصة سياقة أمريكية قبل تكبير العمر وعندما بدأت في استخدام الجواز بالعمر الجديد أوقفني رجل الأمن في المطار وحقق معي 3 ساعات عن الاختلاف في العمرين ما هو موجود بالرخصة والجواز, وعندما شرحت له الأمر تفهم ذلك ولكن سحبوا مني الرخصة.
أعود إلى صلب الموضوع وأقول إن د.غازي القصيبي كان يحب الجزيرة، ويحب الإعلام، ولم يجد أفضل من الجزيرة يخصها بقصائده، لأنها كانت تعتني بها، ولم يجد صحيفة في حجم انتشار الجزيرة وكان عندنا خطاط اسمه حسن مختار وهو خطاط متميز، وعندما كنت في زيارة للسودان مع الملك خالد زرت إحدى الصحف وأعجبني الخطاط فطلبته من رئيس التحرير فقال لي خذه فلدينا في السودان خطاطون كثر، وبالفعل جاء هذا الرجل وعمل بالجزيرة وكان هو الذي يخط قصائد القصيبي، ونضع توقيع غازي وصورته، وكان خطه جميلاً كما لو كان لوحة تشكيلية فالقصيدة لما وصلتني من غازي اطلعت عليها وأحلتها لمحمد العوين وقلت له اعمل مقدمة للقصيدة، ومن ضمن الإغراء كنا نضع مقدمة لقصائده، أخذ محمد العوين القصيدة مني وذهب لمكتبه وبينما كان في الطريق بدأ يقرأ القصيدة وأعجب بها كثيرًا، ولما دخل مكتبه أغلق الباب وأخذ ينشدها بصوت عالٍ ولكنه لم يجرؤ على كتابة المقدمة رجع لي وقال: أنا طالع لمهمة، وما فيه وقت لأكتب المقدمة, وأنا والله صدقته، فقلت له إذاً من فيه من الزملاء، قال: فيه راشد الحمدان، فقلت: أعطه القصيدة، وكتب راشد المقدمة وكانت هناك ملاحظات لديّ على ما كتبه فشطبت جزءًا منها وأضفت جزءًا من عندي وعدلت جزءًا آخر منها، ونشرنا القصيدة، ولما نشرت وقبل أن تطلع الشمس نفدت النسخ من الأسواق، والناس بدأت تصور القصيدة، ما هي الحكاية؟ وبدأت تصلني القصائد التي تتضامن مع هذه القصيدة من عبدالله بن خميس، محمد حسن فقي، وسعد البواردي، وغيرهم، ولأنه لم يكلمني أحد عن أسباب وملابسات نشر القصيدة قلت لعبدالله بن خميس أريد أن أعرف رد فعل الملك سلمان أمير منطقة الرياض آنذاك وهو أكثر شخص متابع للصحف وما ينشر فيها، وأكثر شخص مثقف يعوّل على رأيه، ولا تفوته مثل هذه الأشياء واقترحت عليه أن يأخذ رأيه في نشرها، فذهب للملك سلمان يستشيره، وقال لي بعد أن عرض عليه القصيدة وعاد إليّ: جيد يا أبا بشار أنك طلبت مني أن أذهب للملك سلمان أمير الرياض آنذاك لأن سموه كان له رأي غير محبذ لنشر القصيدة، ولم ننشر القصائد، لكني عرفت ردة فعل الأمير آنذاك، أعفي غازي القصيبي، بعد 43 يومًا من نشر القصيدة، فهذه الدولة غير متسرعة في قراراتها، وأنا طلب مني الاستقالة بعد 66 يومًا وهذا تعامل حضاري يسجل للمملكة، فليست هناك دولة تنشر فيها مثل هذه القصيدة وتتعامل بمثل هذا الأسلوب، وقد حاول الزملاء في الحرير ثنيي عن قرار الاستقالة لأنهم لم يكونوا على علم عن السبب لأن القصيدة نشرت منذ شهرين، قدمت استقالتي وأخذت إجازة 3 أشهر متجهاً إلى الدول الإسكندنافية، وعندما ذهبت إلى مطار الملك خالد للسفر وجدت أن اسمي على قائمة الممنوعين من السفر، وكانت مصادفة تواجد مجموعة من الضباط الكبار وقد طلبوا مني التريث في العودة من المطار وعمل اتصالاتي، وطلبوا من الطيار أن يؤجل الإقلاع لبعض الوقت، المشكلة، كان يوم عيد وكل من اتصلت به لا يجيب، وتواصلت مع الأمير سطام رحمه الله وشرحت له الأمر، ووجههم مشكورًا بالإذن لي وسافرت، وعندما رجعت أبلغت الملك سلمان بالذي حصل وقال ما يصير ذلك وأرسل برقية للأمير نايف رحمه الله، كون ما حصل اجتهاداً من مسؤول أمني، وبالفعل رفع حظر السفر عني.
القصيبي عندما أعفي قال: هذه دراما إنسانية معقدة, وقال في لقاء آخر: أنا بمكانة ابن يعاتب والده أنا في مقام الابن والملك فهد في مقام الوالد، وهذا مجرد عتاب وقد عيّن بعد أقل من شهر سفيراً في البحرين ثم سفيراً في بريطانيا، وبعدها رجع وزيراً لعدة وزارات، كما عدت لرئاسة التحرير، وإعادة القصيبي مرة أخرى للوزارة وخالد المالك لرئاسة تحرير الجزيرة أين هي الدولة التي تعمل مثل هذا من التسامح غير السعودية؟
وبعد ذلك فتحت د.فوزية البكر المداخلات من الحاضرين، وكانت المداخلة الأولى من مدير مكتب صحيفة الأهرام بالرياض، الذي أشاد بطرح الأستاذ خالد المالك، وأكد أهمية الدور الذي تقوم به الصحف في خضم ما يجري في المنطقة العربية من حالة عدم الاستقرار، وكيف يمكن أن نوحد جهود الصحف في العالم العربي لمواجهة التحديات.
ثم تداخل بعد ذلك الأستاذ: عبدالرحمن المعمر، الذي قال: لا أستغرب هذا، فهو حديث المتمكن الذي أدلى به الأستاذ خالد المالك، الذي عرفته منذ أن كان محررًا ثم رئيس القسم الرياضي في الجزيرة التي كنت رئيس تحريرها، في ذلك الوقت وعرفته كبيرًا في كل شيء حتى في مصافحته، مترفعًا عن التفاهات والرزايا، والمجتمع الصحفي فيه النقنقة، وقد برئ من هذا كله كأنما عناه الشاعر بقوله:
لقد برئت من غمز ولمز
كما برئت من قول ركيكي
ولقد أدار الشركة الوطنية للتوزيع إدارة حكيمة ونهض بالكتاب السعودي، في وقت كان الكتاب يحتاج إلى إيصاله لكل مدن المملكة، وقد تحدثت معه في ذلك الوقت وقلت له إن الشاب السعودي الذي يذهب إلى الحلاق ليحلق شعره بـ50 ريالاً، من برا يستكثر 5ريال لتصليحه من جوا، وهذا الشاب كيف نقنعه أن يشتري الكتاب، وإلى الآن هذه المشكلة قائمة رغم كل شيء، والحديث عن الأستاذ خالد لا تكفيه هذه الدقائق.
بعد ذلك داخل د.أحمد الشهري رئيس منتدى الخبرة السعودي قائلاً نتشرف بوجود أستاذنا الكبير أ.خالد المالك هنا، وحقيقة اليوم الحديث معكم يا أبا بشار ذو شجون وأنا من الذين يؤمنون أن الصحافة الورقية جزء من سيادة الدولة، ولابد للصحافة الورقية أن تستمر، ولهذا فللأستاذ خالد بذلك جهود مضنية من أجل أن يستمر هذا الكيان قائمًا ليمثل المملكة العربية السعودية، وأنا والموجودون في هذه القاعة نقبل رأس الأستاذ خالد لأنه رمز لنا وعلمنا الكثير، وعندما استلم الجائزة في دبي قال أهديها لكل الإعلاميين وهذا هو ديدن أبو بشار.
وبعد ذلك داخل الأستاذ حمد القاضي بقوله: كان حديث الأستاذ خالد شفافًا وواقعيًّا وصريحًا، وأنا أتفق مع الأستاذ خالد وليس هناك فرق بين الرقمي والورقي الذي سيبقى إلى أمد ولم ينتهِ في سنوات, والدليل على ذلك معرض الكتاب، فلو لم يكن الكتاب المطبوع مطلوبًا لما أقيم هذا المعرض الكبير الضخم المزدحم، كما أن الأطباء يحذرون من قراءة الشاشة ويحثون على قراءة الورق شكرًا للأستاذ خالد.
بعد ذلك تداخل د.عبداللطيف عبيد وزير التربية السابق في تونس والأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية سابقاً وأحد ضيوف المعرض، وأنا أعبر عن سعادتي الكبيرة للاستماع لمحاضرته، وأنا كضيف على السعودية أخذت انطباعًا رائعًا عن السعودية الذي تمثل في التعامل الحضاري والفكري الذي حظينا به عند زيارتنا للمملكة، أكرر الشكر والتقدير للأستاذ خالد الذي أمتعنا بحديثه.
كما كانت هناك مداخلات أخرى لآخرين حملت التقدير للأستاذ خالد المالك وللدكتورة فوزية البكر على حسن إدارتها للحوار، بعد ذلك اختتم اللقاء بكلمة للأستاذ خالد المالك شكر فيها الحضور وأجاب على تعليقاتهم.