د.عبدالله بن موسى الطاير
طائرة يوم القيامة، وطوربيد يوم القيامة، والرعب المصاحب للحرب الروسية الأوكرانية، وقصة سيئة السمعة التي بدأت في مطلع القرن العشرين؛ حيث فكّر عدد قليل من الفيزيائيين وأخذوا يناقشون وينشرون أوراقًا علمية حول ظاهرة النشاط الإشعاعي. اشتهر في هذه الحراك النيوزلندي إرنست راذرفورد، والدنماركي ونيلز بور، والفرنسية ماري كوري، والألماني ألبرت أينشتاين. ثم لحق بهم علماء آخرون من ألمانيا، والمجر، النمسا واليابان. تواصلت أبحاثهم وتوالى نشرهم لنتائج الدراسات، وفي عام 1911 أعلن اكتشاف نواة الذرة، وبحلول الثلاثينيات، كان العلماء النوويون يستكشفون المفهوم الثوري لتقسيم ذرة من اليورانيوم بالنيوترون.
بالتوازي، أصبح هتلر مستشارًا لألمانيا في عام 1933م، وبدأ النازيون في إلغاء الحقوق المدنية لليهود الألمان فأخذ العلماء اليهود الألمان في الهجرة، في الغالب إلى أمريكا وبريطانيا، ومنهم السيد آينشتاين، وواصلوا أبحاثهم وحراكهم العلمي. وتقدم تفكيرهم بحلول عام 1939م إلى مواضيع مثل انشطار ذرات اليورانيوم، وكانت إمكانية إنتاج انفجار نووي هائل معروفة ونوقشت بشكل عام، وأجريت حسابات ما يُسمى «الكتلة الحرجة». لم تكن أعين هتلر بعيدة عمَّا يجري في أمريكا وبريطانيا فقام مكتب الحرب الألماني بتوجيه العلماء الألمان لدراسة استخدام الماء الثقيل كوسيط لإبطاء حركة النيوترونات الثانوية.
وتناقلت الركبان الخبر، فخشي العلماء المهاجرون إلى أمريكا من إمكانية نجاح ألمانيا في تطوير قنبلة ذرية، وكتبوا إلى الرئيس روزفلت محذرين. وصفت الرسالة العلماء إلى الرئيس الأمريكي القنابل القوية الجديدة التي يمكن إنتاجها، ونصحت أمريكا بأن تسرع من وتيرة الأعمال التجريبية الجارية.
ولم تكذب الإدارة الأمريكية خبراً، فأنشأت إثر تلك الرسالة لجاناً مخصصة للطاقة النووية في مختلف إدارات الحكومة، وتم التنسيق بين الحكومة البريطانية ومجلس أبحاث الدفاع الوطني الأمريكي. كان قصف اليابان لبيرل هاربور في 7 ديسمبر 1941م مبرراً كافياً لصناعة القنبلة الذرية الأمريكية، واتخذ قرار بإنتاج تفاعل نووي متسلسل، وانتقل المشروع من جامعة كولومبيا إلى معامل جامعة شيكاغو من أجل بناء «كومة» تجريبية لإثبات جدوى تفاعل تسلسلي يمكن التحكم فيه، وقام رأس الحربة في المشروع العالم فيرمي بتجميع 6 أطنان من اليورانيوم و250 طنًا من الجرافيت لاستخدامها كوسيط في ملعب اسكواش مهجور في جامعة شيكاغو في 2 ديسمبر 1942م وحققت التجربة نجاحاً عالمياً مهماً.
على صعيد آخر، وبينما كان الأمريكيون يغذون المسير نحو القنبلة النووية قام البريطانيون والنرويجيون بمحاولتين نجحت الأخيرة في فبراير 1943م في تعطيل استحواذ هتلر على الماء الثقيل المنتج في فيموك في جنوب النرويج، حيث دُمر معظم المصنع، وتوقف الإنتاج لعدة أشهر. ورغم تمكن الألمان من إعادة تأهيل المصنع فقد هاجمه الأمريكيون والبريطانيون، وتم تدمير محطة الطاقة، مما أدى إلى إغلاق المحطة بشكل نهائي.
وفي أقصى الشرق لم يكن اليابانيون يقفون بعيداً عن ذلك السباق فقد سمحت القوات الجوية للجيش الإمبراطوري بإجراء بحث لتطوير قنبلة ذرية لكن الجهود تعطلت بسبب آثار الحرب على الاقتصاد الصناعي الياباني، وبحلول أواخر عام 1944م، أدرك العديد من العلماء اليابانيين أنهم لن يكونوا قادرين على صنع قنبلة في الوقت المناسب تستخدم لتغيير مجريات الحرب العالمية الثانية. وليس بعيداً عن اليابان كان الاتحاد السوفيتي يواصل دوره في حلبة السباق النووي، وبصفته من المنتصرين في الحرب فقد تكللت جهوده لاحقا بالنجاح.
لقد كان أمر القنبلة النووية محسوماً، وبني المصنع، وبدأ تطوير قدرة إرسال القنبلة باستخدام القاذفة B-29 نظرًا لمداها الطويل وأدائها المتفوق على ارتفاعات عالية وقدرتها على حمل قنبلة ذرية كان من المتوقع أن تزن 9000 إلى 10000 رطل. وتم اتخاذ القرار بتدريب مجموعة خاصة على تسليم القنابل الذرية الأولى، وسلاح محمول جواً أطلق عليه 509 معني فقط بإلقاء القنابل النووية على رؤوس الأعداء.
توفي الرئيس روزفلت في أبريل 1945 وورث هاري ترومان مسؤولية القرارات النهائية بشأن الأسلحة النووية، واجتمعت اللجنة المعنية -وفي عضويتها إلى جانب ممثلي الجيش خمسة علماء من بينهم واحد من بريطانيا العظمى- في واشنطن في منتصف أبريل 1945م واختارت 17 مدينة يابانية كأهداف محتملة للقصف النووي تضمنت هيروشيما وناغازاكي. وصدر الأمر بإطلاق القنبلة الذرية وأدرجت قائمة أكثر تحديداً بالأهداف المراد مهاجمتها وشملت هيروشيما وناغازاكي؛ كانت الأولى منطقة صناعية بها عدد من المنشآت العسكرية، والثانية ميناءً رئيسياً به مرافق بناء السفن والإصلاح البحري.
وفي 6 أغسطس 1945م، قامت قيامة هيروشيما، ودمرت معظم المدينة وقتل 140 ألف شخص. وتحمل القاذف الرائد توماس فيريبي وزرها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وبعد ذلك بثلاثة أيام في 9 أغسطس، أسقط الرائد تشارلز سويني القنبلة الثانية على ناغازاكي، وباء بإثم حوالي 70 ألف شخص قتلوا بسببها.