عمر إبراهيم الرشيد
أتممت قبل أيام قراءة كتاب (المؤمن الصادق) لمؤلفه الأمريكي أريك هوفر، وقد قام بترجمته الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله تعالى- وطبع عام 1430 - 2009 م. والكتاب هو قراءة وتحليل لعقلية الفرد المنتمي إلى حركة أو منظمة ثورية أو حزب أو جماعة متطرفة وبإيمان (صادق) حسب تفكير هذا الفرد، أيًا كان فكر أو توجه أو عقيدة تلك الجماعة.
وعنوان الكتاب (المؤمن الصادق) قد يلتبس فهمه لدى البعض كون الإيمان بمعناه الشرعي مكوناً للعقيدة الإسلامية، وبالطبع ليس هذا مقصود المؤلف إذ قصد به إيمان الفرد المنضم إلى جماعة أو حركة متطرفة أيًا كان توجه أو فكر أو جنسية تلك الحركة، وأسباب التطرف وطبيعته.
وما يلفت في المؤلف أنه علم نفسه بنفسه وانكب على القراءة في أوقات فراغه، حيث عمل في ميناء سانفرانسسكو في الأربعينات الميلادية ومن ثم شرع في كتابة البحوث الفلسفية، وهذا الكتاب يعد أول كتبه وأهمها حيث قفز إلى قائمة أكثر الكتب مبيعاً حين استشهد به الرئيس الأمريكي آيزنهاور في ندوة تلفزيونية.
وبرغم مرور عقود من الزمن على تأليف هذا الكتاب (نشر عام 1951م)، إلا أنه يقدم تحليلاً لطبيعة التطرف ويسبر أغوار عقلية المتطرف، برغم أن (الإرهاب) لم يكن شائعاً كما هو اليوم، مع أن الإرهاب الصهيوني بدأ في مستهل القرن وقد تطرق له المؤلف.
هذه نبذة مختصرة عن هذا الكتاب الذي قام الدكتور غازي القصيبي بترجمته، وهنا وددت التوقف وتسليط الضوء على هذا الجهد غير المعتاد من رجل تسنم أكثر من منصب ووزارة، ووقت ترجمته لهذا الكتاب كان وزيراً للعمل.
يقول -رحمه الله- في إجابته على من سأله في إحدى مقابلاته عن كيفية إيجاد الوقت للقراءة والكتابة وهو في موقعه كأحد أبرز الوزراء في الدولة، إذ قال إنه يصحو في الصباح الباكر وقبل بداية العمل بساعتين فيجد الوقت ليقرأ وليكتب كذلك، وعندما يصل إلى مكتبه يجد بطاقات ورسائل دعوات لمناسبات اجتماعية مختلفة، فيرسل مهنئًا ومعتذرًا عن الحضور، إذ يقول إنه لو لبى كل تلك الدعوات لما وجد الوقت لنفسه وشئونها وللكتابة والتأليف والقراءة عدا عن العمل بالطبع.
وهنا يكمن السر (تنظيم الوقت) إذ يعد الدكتور غازي من أبرز النماذج على حسن إدارة الوقت واستثماره، حتى ذكر بأنه قليلاً ما يتابع التلفزيون والقنوات الفضائية، وبالطبع مع الثورة الرقمية التي أدركها لم يغير من نمط حياته ولم ينجرف في أتون هذه الثورة ووسائلها.
هنا أقف عند قضية المناسبات الاجتماعية وثقلها على عواتقنا وعلى حساب أنفسنا في كثير من الأحيان، وأقول عدا عن واجب التهنئة في الأفراح والتعزية في النوائب، فإن (الاستراحات) وهبة المقاهي التي ابتلينا بانتشارها كالسرطان في مدننا هي أكثر ما يقتل أوقاتنا فلا نستثمرها فيما يعود على الشخصية بالصقل والنفس بالإثراء.
ومن لا يعرف شيئاً من العزلة ولا أقول الانطواء والبعد عن الناس، ومن لا يهب نفسه حقها من المراجعة والتأمل فسوف يجد آثار ذلك لاحقاً في حياته, إلى اللقاء.