عبدالرحمن الحبيب
قد يبدو عجيباً لدينا نحن أبناء المناطق الحارة كيف أن ارتفاع الحرارة لبضعة أيام في البلدان المعتدلة يؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية والجسدية للسكان.. فعلى المستوى العالمي، واجه الناس «أيام ارتفاع في درجات الحرارة» في عام 2020 ثلاثة أضعاف ما واجهوه خلال عام 2008، وانخفضت تقييمات الناس لحياتهم بنسبة 6.5%. بالنظر إلى التوقعات المناخية الحالية، يمكن أن تؤدي أيام درجات الحرارة المرتفعة إلى إضعاف تقييمات الحياة العالمية بنسبة 17% بحلول عام 2030. سيكون هذا انخفاضًا كبيرًا في الطريقة التي ينظر بها الناس إلى حياتهم نتيجة ارتفاع درجات الحرارة؛ وستكون تركيا والمكسيك والصين الأكثر تضررًا، حسب ما جاء في خلاصة تقرير مؤسسة غالوب.
بيانات الاستطلاع في التقرير لآراء ما يقرب من مليوني شخص في جميع أنحاء العالم على مدى ثلاثة عشر عامًا، حول كيفية سير حياتهم من غالوب تم ربطها مع بيانات الطقس الجغرافي المكاني من وكالة ناسا. لكن ينبغي التنبيه أن الارتباط لا يعني السببية، فقد تكون هناك علاقات أخرى مرتبطة بالتزامن مع ظاهرة ارتفاع الحرارة وتقييم الناس لحياتهم، إلا أن فحص وتحليل هذه الارتباطات سيساعد في فهم تأثيرات تغير المناخ على حياة الناس.
من المتفق عليه أن تغير المناخ وما يعانيه الناس في جميع أنحاء العالم من موجات الحرارة الشديدة والجفاف وحرائق الغابات، أصبحت حقيقة عالمية مؤلمة، لكن لا يُعرف الكثير عن الكيفية التي قد تؤثر بها درجات الحرارة هذه على نوعية حياة الناس وأمزجتهم، وهذا تحليل جديد يمثل الخطوة الأولى نحو تحديد الخسائر التي قد تحدث نتيجة ارتفاع درجات الحرارة على كيفية تقييم الناس لحياتهم.
يرسم التحليل صورة قاتمة للمستقبل مع توقع الزيادة في أيام درجات الحرارة المرتفعة خلال العقد المقبل على المستوى العالمي، حيث تشير النتائج إلى أن ارتفاع درجات الحرارة سيرتبط بانخفاض في تقييمات الحياة ثلاثة أضعاف في عام 2030 مما كان عليه في عام 2020؛ ففي كل مرة يمر فيها الشخص بيوم شديد الحرارة، ينخفض تقييم حياته بمعدل 0.56%، ومع استمرار تزايد عدد أيام درجات الحرارة فوق المعدل الطبيعي، يشير التحليل إلى أن تقييمات الحياة ستستمر في الانخفاض، مع حدوث ذلك بشكل أكبر في البلدان التي تشهد أيام ارتفاع درجات الحرارة بشكل متكرر.
من أجل المزيد في البحث لاستكشاف الآلية التي من خلالها يؤثر تغير المناخ على سبل عيش الناس، أوضح التقرير أن ارتفاع درجات الحرارة له تأثير أكثر وضوحًا على الأجيال الأكبر سناً والأفراد في الاقتصادات الفقيرة وفي الاقتصادات النامية مثل الصين والبرازيل؛ وكذلك الأشخاص ذوي المستويات التعليمية المنخفضة. بين الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 عامًا أو أكثر، يرتبط كل يوم من التعرض لدرجات حرارة عالية في الثلاثين يومًا السابقة للمسح بانخفاض 1.11% في تقييم الحياة، مقابل انخفاض بنسبة 0.48% بين الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 65 عامًا. يبدو أن كبار السن أكثر عرضة للإصابة بالمرض أو الموت من الحرارة الزائدة، حسب التقرير. أظهرت هذه النتائج مع أبحاث سابقة أن الناس في المناطق النامية أكثر عرضة لظواهر الطقس المتطرفة من تلك الموجودة في البلدان والأقاليم ذات الدخل المرتفع. كما شوهدت علاقات سلبية كبيرة بشكل فردي في العديد من دول العالم الأكثر اكتظاظًا بالسكان، بما في ذلك الصين وتركيا والبرازيل ونيجيريا والمكسيك.
هذه التحليلات تمثل محاولة لفهم الآثار المترتبة على ارتفاع درجات الحرارة على سكان العالم، ويوضح أن النتائج مقلقة. يقول الخبراء إن أزمة المناخ ستزيد من تواتر وشدة الظواهر الجوية المتطرفة، بما في ذلك موجات الحر؛ فمع تفاقم تأثيرات المناخ، يمكن أن ينذر الانخفاض في تقييم الحياة بزيادة انعدام الأمن الغذائي والهجرة والصراع وتدهور الصحة العقلية.
هناك حاجة إلى توفير دليل واضح على أين وكيف يمكن أن تؤثر تغيرات الطقس على حياة الناس اليومية، لتطوير طريقة تفكير صانعي السياسات وأصحاب القرار في مسألة تغير المناخ من أجل رؤية أكثر اكتمالًا ودقة للتأثير الحقيقي لتغير المناخ على حياة الناس. إنها أيضًا محاولة جديدة لاستكشاف العلاقة بين ارتفاع درجات الحرارة وتقييمات الحياة. ومع ذلك، فإن العلاقات والارتباطات المذكورة لا تعني السببية، إلا أنه يجب أخذ تكيف الإنسان مع درجات الحرارة المرتفعة والتعافي منها في الاعتبار في البحوث المستقبلية.