المعلمُ هو رجلٌ منَّ الله عليه باختيار مهنةٍ هي من أشرف المهن وأجلها ويكفيها شرفًا أنها مهمة الأنبياء الذين بلَّغوا الرسالة وأدوا الأمانة- عليهم صلوات ربي وسلامه- والملائكة الكرام يصلون على معلمي الناس الخير وهذا الرجل المفضال- أعني المعلم- بذل من سني عمره الكثير في تعليم الأجيال وتربيتهم تربية الرجال وزرع فيهم جميل الخصال فأبقى فيهم أثرًا لا تمحوه السنين مع تعاقبها وجعل لهم تأثيرًا في حياتهم وفي بلادهم التي تفخر بهم كما تفاخر بمعلميهم الذين ضحوا وأخلصوا في أداء رسالتهم التعليمية فتخرج من تحت أيديهم المعلم والوزير والمهندس والطبيب والضابط والمسؤول والقيادي وربُّ الأسرة الناجح والتاجر المتميز ورجال الأعمال الخبير والإعلامي المبدع وغيرهم كثير الذين حين يراهم معلموهم.
يشعرون بالغبطة والسرور ويملؤهم الفخر بطلابهم الذين كانوا يومًا معهم في قاعة الدرس يُسقونهم كؤوس العلم ويهدونهم من رحيق المعرفة.
ما يشبع نهمهم ويرتقي بعقولهم ويُزكِّي نفوسهم ويُهذِّب سلوكهم ويجعلهم على استعداد لمواجهة مشاق الحياة وتجاوز عقباتها فيواصلون البناء وينشئون الأسرة الناجحة ويعمِّرون الأوطان بسواعدهم القوية التي اشتدَّ عودها بعد عون الله بعد أن صبروا وصابروا ورابطوا في طريق العلم ولم يغلبهم الكسل أو تهزمهم مغريات الحياة التوافه بل تحملوا في سبيل ذلك المرارات وحطَّموا ما اعترضهم من جبال المنغصات وكأنهم جعلوا نصب أعينهم قول الشافعي:
مَنْ لم يذقْ مُرَّ التعلمِ ساعةً
تجرَّع كأسَ الجهلِ طول حياته
وكم في ذاكرة كلِّ طالبٍ من نماذج مشرقة ومواقف مشرِّفة لمعلمين أكفاء أبدعوا في تعلميهم وأخلصوا في تربيتهم وتوجيههم وأحسنوا في تعاملهم فكانوا حضنًا دافئًا لطلابهم وغمروهم بأبوتهم الحانية وإنْ مازجها شيءٌ من القسوة التي هي في حقيقتها رحمة كما قال أبوتمام:
فقسا لتزدجروا ومن يكُ حازمًا
فليقسُ أحيانًا وحينًا يرحمُ
وقد كنَّا في صغرنا نتبرم كثيرًا من بعض أساتذتنا الفضلاء إذ يكلفوننا بواجباتٍ ومهامٍ دراسيةٍ كتابيةٍ وغيرها ويعاقبوننا على تقصيرنا وحين كبرنا حمدنا العاقبة ودعونا لهم وأثنينا عليهم خيرًا وحين نقابلهم نُجلُّهم ونحترمهم ونحتفي بهم ونقبِّل رؤوسهم ونشكرهم على ما قدموا لنا من علمٍ وتوجيهٍ وتربيةٍ ونجد منهم التقدير ونرى في وجوههم إمارات السعادة وفي حديثهم لنا شعور الحب والغبطة والامتنان وإني لأتذكر موقفًا جميلاً لازال عالقًا في ذاكرتي وسيظل بإذن الله لأستاذ مادة الفيزياء واسمه عبدالرحمن الباشا وهو سوري - رحمه الله وأسكنه الفردوس- قبل بدء اختبار مادة الكيمياء الذي دخلتُه وقد كنتُ مُحبطًا من صعوبة المادة ولم استعد الاستعداد الجيد ولكنَّ أستاذي عبدالرحمن قال لي كلماتٍ محفِّزاتٍ مثنيًا على أدائي في اختبار مادة الفيزياء التي كانت أصعب من مادة الكيمياء وقد اختبرتُها في يوم سابقٍ لاختبار الكيمياء فأشرق الفأل في فضاءات قلبي وابتهجتُ كثيرًا بهذا الثناء الذي جاءني من أستاذٍ له هيبته وقدره ويتميز بقلة الكلام ورجاحة العقل وحسن الخلق مع تمكنٍ في مادته العلمية واستطعتُ بعد توفيق الله ثم تحفيزه وثنائه من تجاوز اختبار مادة الكيمياء بدرجةٍ جيدة ولا أنسى أستاذ مادة الرياضيات الذي درَّسني في المرحلة الثانوية واسمه جعفر الملا مصري - رحمه الله وأسكنه الفردوس- الذي استطاع بأسلوبه الجميل حيث الطرافة واللطافة والاحترام والتحفيز مع خبرةٍ عاليةٍ وتمكنٍ في مادته أنْ يُسهِّل عليَّ وعلى زملائي مادة الرياضيات بعد أنْ كانت من أصعب المواد مما جعلني أجتهد في الاقتداء بهذين العلمين والحذو حذوهما مع طلابي في أداء رسالتي التعليمية وهنا أختم مقالتي بقصيدةٍ كتبتُها وفاءً وتقديرًا لكلِّ أستاذٍ نهلتُ من علمه فأقول:
لك يا معلمُ وافرُ الإجلالِ
فلأنت فينا صاحبُ الأفضالِ
أنت المنارُ بك الحياةُ مضاءةٌ
بالعلمِ ذُقنا طيِّبَ الأحوالِ
أنت المغذِّي للعقولِ تُنيرها
بالعلمِ تحميها من الأوحالِ
معراجُ مجدٍ قد علوتَ بأنفسٍ
نحو العلا من دونما إملالِ
أنت المربي كم زرعتَ فضيلةً
في النشءِ تُرويهم بخيرِ خصالِ
تُعطي دروسًا في عطاءٍ وافرٍ
تُعطي تفصيلٍ مع الإجمالِ
أمضيتَ زهرَ العمرِ تبذلُ راغبًا
في خدمة التعليمِ والأجيالِ
تحنو على الطلابِ أنت أبوهمُ
تُهديهمُ لطفًا مع الإجزالِ
ترجو لهم عزَّاً وخيرًا دائمًا
وعقدتَ فيهم أجملَ الآمالِ
أبشر ستلقى حُبَّهم ووفاءهم
ستنالُ منهم وافرَ الإجلالِ
** **
تمير - سدير