محمد سليمان العنقري
على وقع تطورات الاقتصاد العالمي وبنهاية الأسبوع الماضي أقرت مجموعة أوبك + التي تضم ثلاثاً وعشرين دولة منتجة للنفط تخفيض سقف الإنتاج بواقع مليوني برميل يومياً وهو القرار الذي كانت تنتظره الأسواق لمعرفة توجهات الاقتصاد العالمي وكيف تنظر أكبر الدول المنتجة التي تمد أسواق العالم بقرابة 50 بالمائة من احتياجاتها من هذه السلعة الهامة لما قد يصل له الطلب العالمي على النفط من ركود أو تراجع بسبب حالة عدم اليقين التي يمر بها العالم حيث يتوقع أن تنزلق العديد من الدول من الاقتصادات المتقدمة لركود في العام القادم.
وبما أن أوبك + تهتم بالدرجة الأولى باستقرار أسواق النفط واستدامتها فهي تتخذ ما يخدم هذا الهدف وهو ما أثبتته بكل إجراءاتها منذ حوالي ستة أعوام وخصوصاً خلال فترة جائحة كورونا التي انهارت بها الأسعار نتيجة لانخفاض الطلب المفاجئ بحوالي 30 بالمائة فتعامل أوبك + مع النفط بنظرة اقتصادية خالصة وليس لبعد أو اصطفاف سياسي.
فقرارات أوبك + لا يمكن التشكيك بأن كل توجهاتها مبنية على البعد الاقتصادي وهذا ماشدد عليه بيان المجموعة بقرارها الأخير والذي ليس له هدف برفع الأسعار كما صرح بذلك الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة بمؤتمر صحفي عقب نهاية الاجتماع الذي عقد في فيينا مقر منظمة أوبك كما أوضح أيضاً أن الهدف استدامة السوق وأن القرارات تتخذ بالإجماع وجميع الدول متساوية، كما قال أمين عام أوبك هيثم الغيص في تصريحاته لوسائل الإعلام أن المنظمة تعمل على ضمان تدفقات النفط ولا تنحاز لطرف مقابل طرف آخر، وأكد أننا لسنا منظمة سياسية كما قال بأن قرار «أوبك+» استباقي ومدروس واتخذ بالإجماع من قبل 23 دولة وأنه ليس قراراً من دولة بحد ذاتها أو مجموعة من الدول ضد أخرى، فجميع التصريحات التي صدرت من الدول الأعضاء بالمجموعة أكدت صواب القرار وأنه مرتبط بحال الأسواق والبعد الاقتصادي وهو ما يمثل رداً على كل وسائل الإعلام الغربية وبعض السياسيين الغربيين الذين يحاولون توجيه البوصلة نحو تسييس القرار وأنه منحاز لروسيا التي تخوض حرباً ضد أوكرانيا التي يساندها الغرب ويضع 9000 عقوبة على موسكو طالت قطاع النفط والغاز وهي من أكبر دول العالم إنتاجاً وتصديراً لهذه السلع مما تسبب برفع الأسعار, فمن الواضح أن جل التصريحات خرجت بهذه الحدة لأسباب انتخابية بينما ارتفاع الأسعار وبالتالي التضخم بدولهم هو حصاد قرارات وسياسات ثبت خطئها سواء بمزيج الطاقة وأمنها أو بالسياسات النقدية والمالية ففي أميركا ارفتعت معدلات التضخم لمستويات ما قبل أربعة عقود من خلال الضخ المالي الهائل بالأسواق وخفض سعر الفائدة لقرابة الصفر لمدة طويلة والقراءة الخاطئة للبنك الفيدرالي الاحتياطي الأمريكي للتضخم العام الماضي حيث كان يعتبره عابراً ولم يعترف بخطأ قراءته إلا مع أواخر العام الماضي مما اعتبر تأخراً كبيراً بالتوقيت المناسب لتغيير السياسة النقدية لتكون متشددة واضطر للتسريع بسحب التيسير الكمي وكذلك رفع أسعار الفائدة بوتيرة سريعة وهو ما أربك الأسواق عموماً حيث ارتفعت قيمة الدولار مقابل العملات العالمية وأدى ذلك لهبوط بأسعار الأصول والسلع فالنفط انخفض بحوالي 40 بالمائة من أعلى سعر وصله هذا العام ومع ذلك لا ينظرون لهذه النسبة الكبيرة حالياً لأن عينهم على نوفمبر القادم لانتخاب نصف أعضاء الكونجرس.
أما على صعيد صناعة النفط فسياسات حماية المناخ التي تؤيدها الحكومة الأمريكية الحالية وكثير من الساسة الديمقراطيين ويؤيدهم بذات التوجه حكومات دول الاتحاد الأوروبي أدت لخفض الاستثمارات بالوقود الأحفوري وكذلك بمصافي النفط على مدى العقدين الماضيين وهو ما انعكس بنهاية المطاف بارتفاع أسعار المشتقات النفطية وأهمها البنزين وبالمقابل فإنهم يناقضون أنفسهم عندما يطالبون الدول المنتجة من تحالف أوبك + بزيادة الإنتاج وفي مؤتمرات المناخ يشددون على ضرورة خفض إنتاج النفط والغاز والفحم, كما أن أميركا عندما أصبحت أكبر منتج للطاقة الأحفورية بالعالم من النفط والغاز وضعت نفسها في موقف متناقض فإذا ارتفعت أسعار النفط تحديداً بدأوا الحديث عن ضرورة خفضها وإذا انخفضت يطالبون بخفض الإنتاج وكل مطالبهم من دول أوبك + لرفع أو خفض الأسعار لأنهم متضررون بالحالتين سواء على المستهلك عند ارتفاع الأسعار أو على الشركات وصناعة النفط والقطاع المالي الممول له إذا انخفضت الأسعار والتي لو فعلاً تراجعت لمستويات متدنية حول 50 دولاراً أو أقل لسمعنا أصوات من ساسة أميركا تطالب بتحرك الدول المنتجة لاتخاذ إجراءات لرفع الأسعار كما حدث في 2020 فما لا يذكرونها لإعلامهم أو مواطنيهم أن أميركا تصدر 3 ملايين برميل نفط يومياً بخلاف الغاز وبعض المشتقات النفطية، فمن يسيس حركة أسعار النفط أو يريد التدخل بتوجهاتها؟ بعض السياسين الغربيين لأهداف تتعلق بجذب الناخبين وفق وصف بعض كتاب الرأي الغربيين الذين يعارضون سياسات حكوماتهم بأمن الطاقة بينما دول أوبك + لا تتطرق «للأسعار نهائياً « وتنظر لسوق النفط على أساس الاستدامة والتي تعني ضمان الإمدادات وتوازن السوق حمايةً للاقتصاد العالمي ودعم نموه فتراجع الأسعار الحاد سيوقف ضخ الاستثمارات بقطاع النفط وهو ما يعني تراجع حجم الطاقات الإنتاجية الاحتياطية مما ينذر بحدوث صدمة كبرى للاقتصاد العالمي إذا ارتفع الطلب دون أن يكون هناك إمكانية لتلبيته فأمن الطاقة واستدامتها مسؤولية العالم أجمع وليس دول أوبك+ التي بفضل سياساتها كان النفط الأقل ارتفاعاً بين كل السلع رغم موجة التضخم العالمية الشرسة وهو ما أوضحه وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان بالمؤتمر الصحفي بعرض شريحة توضخ ذلك إذ إن النفط خلال هذا العام من شهر يناير لم يرتفع بأكثر من 6 بالمائة بعكس الغاز الطبيعي الذي تجاوز ارتفاعه80 بالمائة فيميركا وأوروبا والعديد من القارات وكذلك الفحم أكثر من 100 بالمائة فلولا مجموعة أوبك + لكانت أسعار النفط بمستويات عالية وغير مسبوقة.
أميركا تغض النظر عن ارتفاع أسعار الغاز لأنها تصدره لأوروبا بأربعة أضعاف سعره قياساً بما قبل جائحة كورونا والعقوبات على روسيا وهو ما عاتبهم عليه الرئيس الفرنسي ماكرون وكذلك وزير الاقتصاد الألماني الذي قال أميركا تطلب منا أسعاراً خيالية لبيع الغاز لتعويض الغاز الروسي، بينما أوبك+ تتخذ من القرارات ما يخدم الاقتصاد العالمي, فصناعة النفط تقوم على أساس النظرة المتوسطة والبعيدة الأجل وتحقيق المصلحة المشتركة للمنتجين والمستهلكين دائماً فالاستثمار من قبل أكبر الدول المنتحة من أوبك + هو من حمى هذه الصناعة ودورها بنمو الاقتصاد العالمي, فدول المجموعة لها مصلحة كبرى بأن يحقق العالم تنمية مستدامة ويزداد الطلب على النفط ولا يمكن أن يتخذوا أي قرار يضر بالاقتصاد العالمي وستثبت الأيام أن ما قامت به المجموعة كان عين الصواب كما فعلوا ذلك بمرات عديدة سابقة.