د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
استضافتْ واجهة الرياض العصرية منذ الخميس قبل الماضي الموافق للتاسع والعشرين من شهر سبتمبر» معرض الرياض الدولي للكتاب « فكانت تظاهرة ثقافية عملاقة، انسكب عليها وداد الرياض عاصمة بلادنا الحبيبة عنوان الفلق المضيء على آفاق العالم الجديد؛ فنقلتْ الرياض كل مفرداتها الجميلة لترحب بالقادمين من أجل الشغف القرائي في معرض الرياض الدولي للكتاب 2022 وارتحلتْ الرياض معهم لتريهم إنجازاتنا في الآفاق إلى معرض فاخر للكتاب حوى واستوى؛ حيث كفايات المكان حطتْ هناك وحيث يستفيق الذهن ويتماهى، وحيث تكيل وزارة الثقافة التنوع الثقافي بأوزان جديدة.
ونحن على أرض المعرض نستحضر هيبة القلم، ويحيطنا احترام الكتابة كمصطلح قامت عليه حضارات الأمم؛ ونسعدُ بحوار شجي بيننا وبين المؤلفين «لعلنا نأتي منهم بقبس « وينطلق الشغف في معرض الكتاب ومافيه من الأوعية القرائية من القناعة بأن كثيراً ممن يفكرون قد يحضرون هناك، وقد تنأى بهم الأماكن أو يغيّبهم الموت؛ ويبقى فراش الذاكرة وثيراً يتهادى بما فيه إلى عالم السطور المبهر, وربما يستهلكُنا الكتاب ونحن نستغرق أوقاتنا لتأويله, ولكننا نرتاد المعرض كل عام ونستشرف فيه إضافات جديدة لتلك التظاهرة الثقافية التي تحتفي بالكتاب ودور النشر من خلال عرض حصادها عبر منصاته، ومازلنا نتوق إلى استراتيجية متينة لصناعة الكتاب حتى لايُحسبُ وجوده من مصفوفات الترفيه فقط, ليكون الهدف الأسمى ترقية المعرفة من خلال مشروعات تخدم الكتاب وتقرّبه إلى الأجيال زُلفى.
فهناك رحلة نحو الكتاب, وإن كانت الثقافة ومازالت بتعدديتها وأوعيتها المرئية والمسموعة والمقروءة، ومنصاتها المنبرية ليست رحلة بل بقاء مشهود يعلن انصهار ثقافاتنا الوطنية مع العالم؛ ففي معرض الكتاب وفق المحصى ما يزيد عن ألف دار نشر وهناك تجذّرٌ ثقافي مبهر في كثير من الملامح فلقد احتفى معرض الكتاب بالترجمة كوسيلة عظيمة للمثاقفة مع الآخر وتجلّى هناك النشر الرقمي، والشعر العربي المغنّى؛ ورواق الأطفال ومسترادهم الوفير الذي صان ضحكة الأطفال فأعشبتْ عقولهم كما دعا لهم «بدوي الجبل» وفي كل ذلك ولأجله عُقدتْ لقاءات وورش عمل مجزية..
ولقد بدا جلياً استقطاب المعرض للمزيد من الشرائح في معرض الكتاب وإليه؛ مما يؤكد أن المعرض بنسخته العصرية قد تجاوز النخبوية وانفتح فافتتح ووضعتْ عليه التمائم, ومن اللافت الاهتمام الكبير بالوجيب الوطني السعودي فلقد خصص المعرض منصات عرض لحزمة مضيئة من منجزنا الأمني، ومنجزنا الإنساني، ومنجزنا التعليمي، ومنجزنا الإعلامي، ومنجزنا المقروء والمرئي، وبدتْ المؤلفات السعودية منافساً ودوداً حلّتْ في معرض الكتاب لتقدم مواثيق أخرى على جدارتها دعماً ورعاية، كما انتصبت دور النشر تعبق برائحة الورق ممتزجاً في بعضها بإخراج رقمي كذاكرة أخرى للكتاب، وبدا طيف سعودي واسع يملأ محاضن المعرض، وآخر عربي وعالمي، وجميع ذلك الاندماج يفرز شعوراً بالانتعاش الذي ظهر على زوار المعرض حين يقبضون على مستجدات جديدة ويحملونها لكي تحملهم يوماً تقصّياً وبحثاً وفضولاً مقبولاً.
ولقد توشح معرض الرياض الدولي للكتاب 2022 وشاحاً فاخراً نسجه برنامج ثقافي رصين انتُخبتْ موضوعاته بآلية مبصرة والمتحدثون كانوا أكفاء أبحروا في موضوعاتهم بسلام؛ حيث كان المعادل الموضوعي وفيراً حاضراً في مشارب الجمهور، ورغباتهم، وحدود التلقي، وتحققتْ من خلال المنبر الثقافي مثاقفة راقية ودودة.
وفي مشاهد لافتة عندما يكون زوار المعرض في نهاية زمنه اليومي ينفضون تباعاً وهم يحملون حصاد المعرض من الأوعية القرائية.
هناك نردد قول المتنبي،،
أعزُّ مكان في الدُّنا سرج سابح
وخير جليس في الزمان كتابُ