رمضان جريدي العنزي
الحياة لا تتوقف عند موت أحد أو بدونه، ستبقى الأرض تدور، والشمس تشرق وتغرب، والقمر يظهر ويغيب، والنجوم تسطع، الناس سينامون ويصحون، سيذهبون لأعمالهم ويعودون، سيسافرون، سيجوبون الأرض، بحثاً عن المتعة والفرجة والاكتشاف، سيتزوجون ويتكاثرون، الأرض تجدب وتخضر، ستحمل المرأة وتلد، الطيور تطير وتحط، والمناخات تتغير، والطقس يتبدل، سيأتي صيف يعقبه شتاء، وخريف يعقبه ربيع، ستنبت أزهار، وتموت أزهار، ستمتلىء الأودية وتجف، ستبقى المناسبات هي المناسبات، واللقاءات هي اللقاءات، ستتطور الحياة وتتحول، لن يبقى الحال كما هو الحال، كل شيء في الحياة سيتغير، فأعلم أيها الإنسان، بأنك إن مت أو حييت لن تكون مركز العالم، ولا محور الحياة، ولا حديث الناس، سيفتقدك أقرباؤك الخاصون لبضعة أيام، سيحزنون ثم ينسونك للأبد، ثم يعودون لحياتهم يمارسونها بشغف، وفق أحلام وأمنيات وتطلع، ستصبح وحيداً في قبرك في حياة برزخية لا يعلم مداها سوى الله، ثم يبعثك الله ليكون الجزاء والعقاب، والربح والخسارة، في يوم عظيم مهول تشخص فيه الأبصار، وترتجف فيه القلوب، فأفق وأستعد لهذا اليوم، ولا تغفل عنه طرفة عين ولا أدنى من ذلك، ولن ينجيك منه أهل ولا عشيرة، ولا جاه ولا مال، ولا مباهاة ولا نفاق ولا تلون ولا دجل، إلا أن تأتي الله بقلب سليم، عليك وأنت في فسحة من عمرك أن تعادل بين دنياك وآخرتك، بعيداً عن اللهو والعبث والغفلة ومسرحيات الجنون، فلا تغرنك الدنيا برونقها وزخرفها وألوانها، ولا تنخدع بها، وتركن إليها بالكلية، {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}، فلا تكون من هؤلاء، ولا مثلهم، أضىء عتمة الليل بتراتيل القرآن، وانفض عن قلبك غبار اللهو وإضاعة الوقت في الركض وراء توافه الأمور، عود نفسك أن تعمل الصحيح المفيد، وأن تنجز وتعمل من أجل الله وحده، بعيداً عن التصفيق والضحك والتهريج، سر في الطرقات النظيفة مهما كانت الصعوبات، ضمد جراح نفسك، وأنكأ دمامل أخطائك، وتوكأ على عصاك، وحدق طويلاً في مرآة حياتك الماضية، وتأمل في بواطنها، وتغير للأحسن والأفضل والأجمل، لا تركن لصفير المصفرين، وتصفيق المصفقين، ولا تميل للعابثين والمهرجين، ابتعد كثيراً عن المتخاذلين، والخانعين، وأصحاب الفكر الأمي، وتمثل دائماً بالصالحين، أصحاب الفكر والهمة، اركن إلى الله، ولا تركن إلى الناس، ولا تكن غافلاً ناسياً، صفِّ قلبك وفكرك من الشوائب والعوالق والأدران، اطرح جانباً كل موبقات الحياة، واخلع أردية السطحية والجهل، تسلح بالإيمان والإرداة الصلبة التي تحميك من حبائل الشيطان وتصل بك إلى مرافىء الخلاص والسلامة والسلام، وأسأل الله دائماً أن يوفقك لإصلاح نفسك، وتدارك أخطائك، وأن يمن عليك بعفوه وصفحه ورحمته ورضوانه.