وبقية النص في مقال بوتور التي تدل على طبيعة «التواصل» (غير الجنسي!) بين تلك المدن هي (بترجمتي):
... أنْ «... يَعيش مسيحُ الدروز عواطفَه في القاهرة، وبما أن عالم أدونيرام الأرضي [وهو جامع الضرائب عند الإمبراطور [النبي] سليمان، يمتد تحت القدس، ينتهي به الأمر إلى أن يحفر تحت روما نفسها».
ويعني هذا كله أن نيرفال يتلمس في رحلاته تأكيد أولية المدن الشرقية (القسطنطينية والقاهرة وبيروت) على المدن الغربية مكانًا أو دينًا وهي (روما بمكانتها الإمبراطورية وأثينا بمكانتها العلمية والفلسفية والقدس بمكانتها الدينية التاريخية). (وتعني كلمة «مراكز» في نص بوتور نقطة انطلاق الرحلة والنقطة التي تنتهي عندهh).
الترجمة
يمكن أن توصف ترجمة الدكتور محمد عصفور لـ»الاستشراق» بالكلمة الإنجليزية bland التي تعني أنها تفتقر إلى «الحيوية» التي يتميز بها أسلوب إدوارد سعيد، كما أنها تفتقر إلى الطاقة «الأدبية» الآسرة لأسلوب سعيد. ولهذا فأسلوب الترجمة أقرب ما يكون إلى الأسلوب العادي الذي لا يشد القارئ. يضاف إلى ذلك أنها تكاد تكون حرفية في كثير من المواضع.
ومما يشيع في هذه الترجمة، اتِّباع الأسلوب الإنجليزي في نظام الجملة؛ أي أنها كثيرًا ما تبدأ بشبه الجملة أو بالجمل الاسمية المصدَّرة بـ»إن»، وذلك ما يجعل الأسلوب ركيكًا. ومن المعروف أن الإنجليزية تعطف الكلمات المعطوفة قبل الكلمة الأخيرة باستعمال الفاصلة (،). وقد حافظ الدكتور عصفور على هذه الفواصل في مواضع كثيرة جدًّا بين الكلمات المتعاطفة وزاد عليها العطف بالواو. ومن ذلك، مثلاً، ما ورد في (ص 26): «... في إشعال نار التغيير، والصراع، والجدل، والآن الحرب...»، و: «... قضايا الثقافة، والأفكار، والتاريخ، والقوة... .» (ص27).
ويورد سعيد في صفحة تسبق بداية كتابه إحدى مقولات كارل ماركس، وهي:
They cannot represent themselves; they must be represented.
-Karl Marks, The Eighteenth Brumaire of Lous Bonaparte
فيترجمها الدكتور عصفور كالتالي (ص 23):
ليس بإمكانهم تمثيلُ أنفسهم؛ لا بدَّ من تمثيلهم.
كارل ماركس، الثامن عشر من برومير في عهد لويس بونابرت
وإذا كانت عبارة ماركس مفهومة فعبارة «الثامن عشر من برومير في عهد لويس بونابرت» غامضة على القارئ العربي الذي لا يعرف تاريخ فرنسا!
أما هذه العبارة فهي عنوان كتيِّب صغير نشره كارل ماركس عام 1851م عن انقلاب لويس بونابرت على الثورة الفرنسية، وتُرجم إلى العربية. لذلك ينبغي أن تكون ترجمة اسم الكتاب:
«[انقلاب] لويس بونابرت في الثامن عشر من شهر برومير».
وكانت الثورة الفرنسية (1789م) قد وضعت «تقويمًا جمهوريًّا» بدلاً من التقويم الميلادي يبدأ من السنة الأولى لتلك الثورة. ووضعت أسماء للشهور تذكرنا بالأسماء المضحكة التي وضعها القذافي للأشهر! ومن هذه الأشهر بأسمائها الجديدة شهر «برومير» (ويعني شهرَ البرد والضباب!) وهو الشهر الثاني من السنة الثامنة للثورة الفرنسية، ويوافق اليومُ الثامن عشر منه اليومَ التاسع من نوفمبر 1799م. وهو اليوم الذي انقلب فيه بونابرت على النظام الجمهوري الوليد.
نماذج من ترجمة الدكتور عصفور:
وسأورد فيما يلي نماذج يمكن أن تمثل ترجمة الدكتور محمد عصفور، وأورد بعدها ترجمتي.
يقول إدوارد سعيد (Pp.xi-xii):
Nine years ago, in the spring of 1994, I wrote an afterword for Orientalism in which, in trying to clarify what I believed I had and had not said, I stressed not only the many discussions that had opened up since my book appeared in 1978, but also the ways in which a work about representations of «the Orient» lends itself to increasing misrepresentation and misinterpretation. That I find the very same thing today more ironic than irritating is a sign of how much my age has crept up on me, along with the necessary diminutions in expectations and pedagogic zeal which usually frame the road to seniority. The recent death of my two main intellectual, political and personal mentors, Eqbal Ahmad and Ibrahim AbuLughod (who is one of the work›s dedicatees) has brought sadness and loss, as well as resignation and a certain stubborn will to go on. It isn›t at all a matter of being optimistic, but rather of continuing to have faith in the ongoing and literally unending process of emancipation and enlightenment that, in my opinion, frames and gives direction to the intellectual vocation. Nevertheless it is still a source of amazement to me that Orientalism continues to be discussed and translated all over the world, in thirty-six languages. Thanks to the efforts of my dear friend and colleague Professor Gaby Peterberg, now of UCLA, formerly of Ben Gurion University in Israel, there is a Hebrew version of the book available, which has stimulated considerable discussion and debate among Israeli readers and students. In addition, a Vietnamese translation has appeared under Australian auspices; I hope it›s not immodest to say that an Indochinese intellectual space seems to have opened up for the propositions of this book. In any case, it gives me great pleasure to note as an author who had never dreamed of any such happy fate for his work that interest in what I tried to do in my ((xii)) book hasn›t completely died down, particularly in the many different lands of the «Orient» itslf.
ترجمة الدكتور محمد عصفور ( ص 25 ــ 26):
«كنتُ قد كتبتُ قبل تسع سنوات، في ربيع سنة 1994، مقالةً ختاميَّةً لكتاب الاستشراق شدَّدتُ فيها، في محاولةٍ منّي لتوضيح ما اعتقدتُ أنَّي قلتُه ولم أقله، ليس فقط على المناقشات التي ظهرتْ منذ أن ظهر الكتابُ سنة 1978، بل أيضًا على الطرق التي يتيح بواسطتها كتابٌ عن تمثيلات الشرق المجالَ للمزيد من سوء التمثيل وسوء التفسير. وأمَّا أنَّني أَجد أنَّ الشيء نفسَه يثير فيَّ هذه الأيَّام الإحساسَ بالمفارقة أكثرَ من إثارته للأعصاب، فعلامةٌ على مدى ما فعله تقدُّم العمر بي، إلى جانب ما يحفُّ الطريق نحو كبر السنِّ من تدنِّي التوقُّعات وتضاؤل الحماس للتَّعليم. لقد جلب فقدي حديثًا لمرشديَّ الشخصيَّيْن في الفكر والسياسة، إقبال أحمد، وإبراهيم أبو لُغد (وهو أحد الشخصيْن اللذين أُهديَ الكتابَ إليهما)، الحزنَ والخسارة، إلى جانب الاستسلام للواقع، وقدْرٍ من التصميم على المضيِّ قُدمًا. وليس هذا من قبيل التفاؤل، بل من قبيل التمسُّك بالإيمان بالعمليَّة التي لا تنتهي من التحرُّر والتنوُّر، وهي عمليةٌ تحيط بالحياة الفكريَّة وتضيئ لها الطريق.
ومع ذلك، فإنَّ ما يثير دهشتي أنَّ كتاب الاستشراق لا يزال يُناقَش ويُترجَم في جميع أنحاء العالم بستٍّ وثلاثين لغة. وتتوافر الآن، نتيجةً للجهود التي بذلها الصديق والزميل العزيز البروفسور غابي بيتربيرج، الذي يعمل الآن في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس، وكان يعمل سابقًا في جامعة بن غوريون في إسرائيل [الكيان الصهيوني]، ترجمةٌ عبريَّةٌ للكتاب أثارت قدرًا كبيرًا من النقاش والجدل بين القرَّاء والطلبة الإسرائيليين. كما ظهرتْ ترجمةٌ باللغة الفيتناميَّة برعاية أسترالية. وأرجو ألاَّ يُعدُّ من باب الغرور أن أقول إنَّ الأفكار التي يتحدَّث عنها هذا الكتاب قد انفتحتْ لها مساحةٌ فكريَّةٌ واسعةٌ في الهند الصينيَّة. وإنَّه ليُسعدني في كل الأحوال أن ألاحظ، بصفتي مؤلِّف الكتاب الذي لم يحلمْ يومًا بأن يحصل كتابُه على هذا المصير السَّعيد، أنَّ الاهتمام بما حاولتُ فعله في كتابي لم يُنسَ تمامًا، لا سيَّما في البلاد الكثيرة التي تَشَكّل منها «الشرقُ» نفسُه».
ملحوظات:
1 - يسمي سعيد ما كتبه قبل تسع سنوات بأنه afterword ويمكن أن تترجم هذه الكلمة بـ»ملحق»، لكن عصفور يترجمها بـ»مقالة»، وربما كان أصلها «مقالة لكن الترجمة الدقيقة يجب أن تلتزم بالاسم كما كتبه صاحبه في النص المترجم.
2 - I had and had not said ترجمها الدكتور عصفور بـ» قلتُه ولم أقله». وهي ترجمة تجعل الكلام متناقضًا.
3 - لم يعرِّف بإقبال أحمد ولا بإبراهيم لغد، ولم يبين الشخص الآخر الذي «أهدى» سعيد الكتاب إليه.
4 - «أهديَ الكتابَ إليهما»، خطأ نحوي.
4 - التزيد في وضعه بين قوسين مركنين « الكيان الصهيوني» بعد ذكر إسرائيل. ولم يفعل هذا في المواضع الأخرى في الكتاب كلها التي ورد فيها اسم «إسرائيل».
5 - إضافة إلى ما يظهر على الترجمة من الركاكة.
أما ترجمتي الأولية فهي:
كتبتُ قبل تسع سنوات، أي في ربيع عام 1994م، ملحقًا لـ»لاستشراق» حاولتُ فيه توضيحَ ما أَعتقد أني كنتُ قلتُه فيه وما لم أقلْه، وأكدَّتُ فيه تحديدًا، لا على النقاشات الغزيرة التي ظهرتْ منذ ظهوره عام 1978م وحسب، بل على الطرق التي صار بها كتابٌ عن تمثيلات «الشرق» ليَكون هو نفسُه موضوعًا لقَدْر متزايد من سوء التمثيل وسوء التأويل كذلك. أما أنَّي أَجد تلك [التمثيلات السيئة والتأويلات السيئة] نفسَها الآن على أنها من قبيل المفارقة لا الإزعاج، فإشارةٌ إلى تقادُم العُمرِ بي، مع ما يَصحب ذلك من تضاؤل في التوقُّعات وتضاؤل في الحماس للتعليم وهو ما يؤطِّر الطريقَ نحو الكِبَر دائمًا. وأدَّت وفاةُ صديقيَّ الناصحين الرئيسين فكريًّا وسياسيًّا، إقبال أحمد وإبراهيم أبو لُغد (وهو أحدُ اللذين أهديتُ لهما الكتاب)، منذ فترة قريبة، إلى شعور بالحزن والفَقْد، إضافةً إلى شعورٍ بالتسليم [لواقع ذلك الفقد والحزن] مع نوعٍ من العزيمة على الاستمرار. ولا يعود ذلك كلُّه إلى كوني متفائلاً وحسب، بل لكونه نابعًا من ثقتي الدائمة بمسار التحرر والتنوير الذي لا تحدُّه، حَرْفيًّا، حدودٌ وهو المسار الذي يؤطِّر العملَ الفكري ويوجِّهه، كما أرى.
ومما لا يزال يُدهشني، مع ذلك، استمرارُ «الاستشراق» موضوعًا للنقاش والترجمة في العالم كله، إذ تُرجم إلى ست وثلاثين لغة. وأود الإشارة هنا إلى أنه بفضل جهود صديقي العزيز الأستاذ الجامعي جابي بيتربيرج، الذي يَعمل الآن أستاذًا في جامعة كاليفورنيا - لوس أنجلوس، وكان يَعمل قبل ذلك في جامعة بن جوريون في إسرائيل، توفرتْ نسخةٌ باللغة العبرية من الكتاب أثارتْ نقاشًا وحوارًا واسعيْن بين القراء والطلاب الإسرائيليين. بل لقد تُرجم إلى اللغة الفيتنامية بتمويل أسترالي؛ وآمل ألا يُعدَّ تفاخرًا أنْ أَقول إنَّ سياق الهند الصينية الفكري يبدو أنه قد انفتح لاستقبال أفكار هذا الكتاب. وأَسعدني كثيرًا جدَّا، بأي حال، أن أَلحَظ بصفتي مؤلِّفًا - لم يَتوقَّع قطّ أيًّا من هذا المصير السعيد لكتابه - أنَّ ذلك الاهتمامَ بما حاولتُ عمله في كتابي لم يَنْطفئ تمامًا بَعدُ، لا سيما في بلدان كثيرة في «الشرق» نفسِه.
سعيد ص 125:
These two characteristics—the didactic presentation to students and the avowed intention of repeating by revision and extract—are crucial. Sacy›s writing always conveys the tone of a voice speaking; his prose is dotted with first-person pronouns, with personal qualifications, with rhetorical presence. Even at his most recondite—as in a scholarly note on third-century Sassanid numismatics—one senses not so much a pen writing as a voice pronouncing. The keynote of his work is contained in the opening lines of the dedication to his son of the Principes de grammaire generate: «C›est ? toi, mon cher Fils, que ce petit ouvrage a ete entrepris»—which is to say, I am writing (or speaking) to you because you need to know these things, and since they don›t exist in any serviceable form, I have done the work myself for you. Direct address: utility: effort: immediate and beneficent rationality. For Sacy believed that everything could be made clear and reasonable, no matter how difficult the task and how obscure the subject. Here are Bossuet›s sternness and Leibniz›s abstract humanism, as well as the tone of Rousseau, all together in the same style.
ترجمة عصفور ص 219:
«هاتان الصفتان - العرض التَّعليميُّ والتَّصميم على التكرار بالمراجعة والاقتطاف - بالغتا الأهميَّة. واللَّهجة التي يستخدمها ساسي في كتاباته هي لهجة الصوت المسموع. ونثره مليءٌ بضمير المتكلم، مع الحرص على تحديد المقصود، وعلى الحضور البلاغيّ. وحتَّى عندما يقدِّم معلوماتٍ بالغة التخصُّص - كما في حالة هامش علميٍّ عن القطع النقديَّة الساسانيَّة العائدة إلى القرن الثالث - فإنَّ الانطباع الذي نخرج به ليس صوت قلم يكتب، بل صوتُ إنسانٍ يتكلَّم. وتحتوي الأسطر الأولى من الإهداء الموجَّه لابنه في كتاب مبادئ النحو العامّ على النغمة الأساسيَّة التي تتخلَّل الكتاب كلَّه: «أخذتُ على عاتقي القيام بهذا العمل من أجلك، يا بنيَّ العزيز»؛ أي إنَّني أكتب لك (أو أتكلم معك) لأنَّك تحتاج لأن تعرف هذه الأشياء. وبما أنَّها غير موجودةٍ بأيِّ شكلٍ مفيد، فقد قمتُ بالعمل من أجلك. خطابٌ مباشر: فائدة: جهد: عقلانيَّةٌ حاضرةٌ مفيدة. ذلك أنَّ ساسي كان يؤمن بأنَّ بالإمكان توضيح كلِّ شيءٍ وجعله معقولاً بغضِّ النَّظر عن مدى صعوبته وعن مدى غموضه. هنا نجد تشدُّد بوسويه، ومجردات العلوم الإنسانيَّة عند لايْبنِتْز، مثلما نجد لهجة روسو؛ كلَّها معًا في الأسلوب نفسه».
ملحوظات:
هناك ملاحظات كثيرة في ترجمة الدكتور عصفور لهذه الفقرة. وستتبين من مقارنتها بترجمتي التالية. لكني أود أن أشير هنا إلى أحد شواهد الترجمة الحرفية، في ترجمة هذه الفقرة، وهي التي نجدها في كثير من المواضع في الكتاب.
فتتبين هذه الحرفية مما ورد في الفقرة السابقة في السطر الثالث من أسفل، وهي: «خطابٌ مباشر: فائدة: جهد: عقلانيةٌ حاضرةٌ مفيدة».
فتبدو هذه الكلمات المتناثرة مقطوعة عما سبقها وهي لا تكون جملة مفيدة. والنص بالإنجليزية المقابل لهذا الخليط واضح؛ ويعود ذلك إلى أن «الروابط بين الجمل» في الإنجليزية ضمنيَّةٌ في أكثر الأحيان، أما في العربية فلا بد من ظهورها حتى تترابط الجمل في الفقرة الواحدة. وسيتبين هذا من ترجمتي هنا.
ترجمتي:
وهاتان السمتان ـــــ أي التقديم التربوي للتلاميذ والقصد الصريح للتكرار بالتنقيح والتلخيص ــــ أساسيتان [في كتابات ساسي]. إذ تصوِّر كتاباته دائمًا نبرةَ كلامٍ ملفوظ؛ ونثرُه مطرَّز بضمائر المتكلم، وبمؤهلاته الشخصية وبحضوره الخطَابي. بل إن القارئ ليُحسّ، حتى في أكثر كتاباته غموضًا [بسبب موضوعها النادر] ــــ كما في بحثه القصير عن نقوش النقود الساسانية في القرن الثالث [الميلادي]، لا بقلمٍ يَكتب بل بِفَم يَتلفظ. وتَبرز السمة الأساسية لعمله كله في الأسطر الأولى من فقرة الإهداء في كتابه «مبادئ النحو العام» الذي أهداه لابنه [إذ كتب]: «لقد كتبت هذا العمل المتواضع، ابنيَ العزيز، لك» ـــــ وهو ما يعني أني أكتب لك (أو أخاطبك) لأنك بحاجة لأن تَعرف هذه الأشياء، وبما أن [هذه الأشياء] لا توجد بأي صيغة أخرى أطمئن إليها، فقد نهضتُ إلى هذا العمل بنفسي من أجلك». والصيغة المباشرة [لهذا الإهداء أن هذا الكتاب] عمَليٌّ وجادٌّ ومباشر ويمثل العقلانية الواضحة. فقد كان ساسي يعتقد أن بإمكانه أن يوضح أيَّ شيءٍ ويُعقلِنه مهما كانت صعوبته ومهما كان غموضه. و[يشهد أسلوبه هذا بمزج أسلوب] بوسويه المتجهِّم وأسلوب لايبنتز الأنسني التجريدي إضافة إلى أسلوب روسو [التربوي].
سعيد ص ص 126ــ127:
Yet when in 1802 the Institut de France was commissioned by Napoleon to form a tableau generale on the state and progress of the arts and sciences since 1789, Sacy was chosen to be one of the team of writers: he was the most rigorous of specialists and the most historical-minded of generalists. Dacier›s report, as it was known informally, embodied many of Sacy›s predilections as well as containing his contributions on the state of Oriental learning. Its title —Tableau historique de !›erudition francaise—announces the new historical (as opposed to sacred) consciousness. Such consciousness is dramatic: learning can be arranged on a stage set, as it were, where its totality can be readily surveyed. Addressed to the king, Dacier›s preface stated the theme perfectly. Such a survey as this made it possible to do something no other sovereign had attempted, namely to take in, with one coup d›oeil, the whole of human knowledge. Had such a tableau historique been undertaken in former times, Dacier continued, we might today have possessed many masterpieces now either lost or destroyed; the interest and utility of the tableau were that it preserved knowledge and made it immediately accessible. Dacier intimated that such a task was simplified by Napoleon›s Oriental expedition, one of whose results was to heighten the degree of modern geographical knowledge.»
ترجمة الدكتور عصفور (ص 221):
«ومع ذلك، فعندما كلَّف نابليون معهد فرنسا بعمل عرض عامٍّ عن حالة الفنون والآداب منذ سنة 1798 وما تحقَّق من تقدُّم، كان ساسي واحدًا ممَّن اختيروا لعضويَّة الفريق المكلَّف بالكتابة. كان ساسي أشدَّ المتخصِّصين صرامةً وأشدَّ غير المتخصِّصين تقيُّدًا بالبُعد التاريخيّ. وقد تضمَّن تقرير داسييه، كما كان يشار إليه داخليًّا، كثيرًا من ميول ساسي فضلاً عن ضمِّ مساهمته بصدد المعارف الشرقيَّة. ويشير عنوان العرض، وهو عرض تاريخيٌّ للمعرفة الفرنسيَّة إلى الوعي التاريخيِّ (في مقابل الوعي الدِّينيِّ). هذا الوعي ذو طبيعةٍ دراميّة: هذه المعرفة يمكن عرضها على مسرح، ويُمكن استعراضها كلُ ّها بسهولة. وقد عبَّرت مقدِّمة داسييه الموجهَّة إلى الملك عن الموضوع تعبيرًا بليغًا: هذا الاستعراض جعل بالإمكان عمل شيء لم يحاول أن يعمله أيُّ ملكٍ في السابق، ألا وهو أن يرى بنظرةٍ واحدةٍ كلَّ ما عرفته الإنسانيَّة. ولو كان عرضٌ تاريخيٌّ كهذا قد عُمل في السَّابق؛ فيما يقول داسييه، لكان لدينا الآن كثير من الرَّوائع التي إمّا أنَّها ضاعت أو أُتلفت. إنَّ فائدة العرض وما يثيره من اهتمامٍ تكمن في الحفاظ على المعرفة وفي جعلها متاحةً بصورةٍ مباشرة. وألمح داسييه إلى أنََّ هذه المهمَّة سهَّلتها حملة نابليون الشرقيَّة التي كانت إحدى نتائجها تعزيز المعرفة الجغرافيَّة الحديثة. (ونحن لن نرى في غير الشرح الكامل الذي قدَّمه داسييه ما يعادل الشَّكل الدراميَّ للعرض التاريخيَّ من حيث الفائدة إلاّ في أقسام المحلاّت التجاريَّة الكبرى).
وأترك الملحوظات على هذه الترجمة للقارئ الكريم.
ترجمتي:
ومع هذا فحين طلب نابليون من «المَجْمع العلمي الفرنسي» عام 1802م إنجاز «إحصاءٍ عامّ» يمثِّل حالة الفنون والعلوم والتقدم الذي حققته [في فرنسا] منذ عام 1789م، اختير ساسي عضوًا في اللجنة [التي أُسنِد إليها [كتابة تقارير عن حالات الفنون والعلوم التي سترسم بيانيًّا في الجداول العامة]؛ ذلك أنه كان من أكثر المتخصصين دقة وأكثر غير المتخصصين اهتمامًا بالتاريخ. وتبنى تقريرُ داسييه، كما عُرف بهذا الاسم غير الرسمي، كثيرًا من اهتمامات ساسي إضافة إلى تضمُّنه البحثَ الذي أسهم به [في التقرير] عن وضع الدراسات المعنية بالشرق. وصَدَع عنوانُ [التقرير الرسمي] ـــــــ [وهو] «إحصاء تاريخيٌّ للإنجازات [العلمية والفنية] الفرنسية» ــــــــ ببزوغ وعيٍ تاريخيٍّ جديد (مقابل [الوعي] المقدَّس). وهو وعي درامي؛ إذ يمكن [من خلاله] أن تنظَّم المعارف العلمية كما لو كانت معروضة على «خشبةِ» مسرح ليمكِن فحصُها كاملة بنظرة واحدة. وتُبيِّن مقدمةُ التقرير التي كتبها داسييه وخاطب بها الملك [نابليون] موضوعَ [التقرير] بدقة. فقد أَنجز هذا الاستقصاء [كما يقول داسييه] شيئًا لم يحاول إنجازه أيُّ ملك سابق، وهو أن نَتمثَّل، بلمحة واحدة، المعرفةَ البشرية كلها. وتابع داسييه كلامه بأنه لو قد أُنجز مثل هذا «الإحصاء التاريخي» من قَبْل لكنا الآن نمتلك [إحصاء] لعدد كبير من الإنجازات [العلمية والفنية] الفريدة التي إما أنها ضاعت الآن أو دُمرت؛ وتمثَّل اهتمامُ «التقرير» وأهميته بالمحافظة على المعرفة والتمكين من تمثلها بصورة كلية مباشرة. وتَمَلَّق داسييه [نابليونَ] بالقول إن مما سهَّل هذه المهمة حملةُ نابليون الشرقية التي كان من نتائجها توسيعُ المعرفة الجغرافية الحديثة. (ولا يمكن أن نرى كيف يماثل الشكلُ الدرامي لــ»الإحصاء التاريخي» من حيث الاستخدام الأقسامَ المختلفة ومنصات التعامل مع الزبائن في المتاجر الكبرى الحديثة إلا في كامل خطاب داسييه).
(سعيد ص 237):
The Arabian traveller is quite different from ourselves. The labour of moving from place to place is a mere nuisance to him, he has no enjoyment in effort [as «we» do], and grumbles at hunger or fatigue with all his might [as «we» do not]. You will never persuade the Oriental that, when you get off your camel, you can have any other wish than immediately to squat on a rug and take your rest (isterih), smoking and drinking. Moreover the Arab is little impressed by scenery [but «we» are]
ترجمة الدكتور عصفور (ص 372):
«الرَّحالة العربيُّ يختلف عنّا اختلافًا شديدًا. فالجهد المطلوب للانتقال من مكانٍ إلى آخر مصدر إزعاج له؛ فهو لا يستمتع ببذل الجهد [كما نستمتع «نحن»]، ويتذمَّر من الجوع والتعب بكُلِّ ما لدبْه من قوَّة [أمّا «نحن» فلا نفعل]. وأنت لن تستطيع إقناع الشرقيَّ عندما تنزل عن ناقتك بأنَّ لديْك أيَّ رغبةٍ غير الجلوس مباشرة على بساطٍ لكي تستريح، ولتدخّن وتشرب. أضف إلى ذلك أن العربيَّ لا تؤثِّر فيه المناظر الطبيعيَّة [مثلما تؤثِّر فينا «نحن»].
ترجمتي:
يختلف الرحالة العربي عنا إلى حد بعيد. إذ إن جُهد التنقل عنده ليس إلا تعبًا وكفى، وهو لا يستمتع ببذل الجهد [كما نستمتع به «نحن» [سعيد]]، ويُفرِط في التشكي من الجوع أو التعب (بخلافنا «نحن» [سعيد]]. ولن تستطيع إقناع الشرقيَّ بأن بإمكانه، بعد أن يترجَّل عن راحلته، أن يفعل أي شيء يرغب فيه غير أن يتقرفص مباشرة على فراشه ليستريح ويدخن أو يشرب. وأكثر من ذلك أنَّ العربي لا تلفت مناظرُ الطبيعة الجميلة نظرَه إلا قليلاً [بخلافنا نحن»[سعيد]].
ملحوظات:
والمشكل في ترجمة الدكتور عصفور أن كلام، الرحالة البريطاني سميث، هذا، يبدو كأنه يقول إن الذي يجلس بعد أن «ينزل» عن «ناقته» ليستريح ويشرب ويدخن هو الرحالة الغربي!
لكن هنا ك ثلاث كلمات في النص تدل على أن المقصود هو «الرحالة العربي». تلك الكلمات هي «استراحة»، وكتبها بلفظها العربي، وهو ما يدل على أنه يصف تصرفات الرحالة العربي بكلمات الرحالة العربي. والكلمة الثانية هي squat وهي تدل على الإقعاء الذي لا يمكن للغربي أن يصف به نفسه، والكلمة الثالثة هي rug ، وهي فراش من جلود الحيوانات مما يدل على فقر الرحالة العربي.
ولأن المعنى سيكون غامضًا إذا أَبقيت على ضمائر المخاطب المفرد التي في النص، فقد بدَّلتها بضمائر المفرد الغائب لكي يتضح أن المقصود هو «الرحالة العربي».
ويتبين من النص أن سميث ربما كان يقول إن «الرحالة الغربي» إذا نزل عن راحلته لا يقعي على نِطْعِه مثل الكلب ويبحث عن الأكل والتدخين بل يمكن أن يبدأ في أعمال «مهمة» أخرى، كأن يكتب ملاحظاته عن رحلته، أو يكتب وصفًا للمكان الذي حلَّ فيه، أو قام بالعناية براحلته، إلى غير ذلك.
وأخيرًا:
أظن أن ما قدمته في هذه المراجعة يكفي في الدلالة على أن ترجمة الدكتور محمد عصفور لم تُنقذ كتاب «الاستشراق» من ضعف الترجمة العربية لهذا الكتاب الذي عدَّتْه صحيفة الجارديان البريطانية واحدًا من أهم مئة كتاب في القرن العشرين. وهي لا تزيد عن الترجمات السابقة إلا بكثرة الصفحات وثقلها!
والسؤال الآن: هل تحققت أمنية (أو رغبة) البروفسور إدوار سعيد التي مفادها أنه «لا بد في يوم من الأيام أن يحظى الاستشراق بترجمة ميسَّرة تختزل الكثيرَ من الصعوبات التي يمكن أن يواجهها القارئُ العربيّ»؟
وهل قول الأستاذ الدكتور محمد شاهين بأن ترجمة الدكتور محمد عصفور: «. . . خيرُ ما يمكن توفيرُه من ترجمةٍ لــ الاستشراق بالعربيَّة»؟
وهل عاد الدكتور محمد عصفور في ترجمته هذه إلى «. . . مصادرَ لا حصرَ لها من المعارف ومتابعة تقاطعها من أجل الوصول إلى بنيةٍ معقَّدةٍ لأطروحة تفضي إلى توصيل معرفةٍ معيَّنةٍ لواقعٍ نعيش فيه»؟
وهل نجحت هذه «الترجمة الجديدة» في زيادة «. . . فرص التواصل لدى القارئ العربيِّ بعمل يثري موقع الهويَّة العربيَّة على خارطة العالم»؟
وجوابي أنَّ أي قارئ لهذه «الترجمة الجديدة» سوف يجيب عن هذه الأسئلة كلها بالنفي.
أود القول أخيرًا، استباقًا للتهم المحتملة (!)، إن ما دفعني لكتابة هذه المراجعة المختصرة لهذه الترجمة ليس إلا الحرص على أن يظهر هذا الكتاب المهم باللغة العربية بترجمة تَسرُّ البروفسور إدوارد سعيد لو كان حيًّا، وتسر أسرته الكريمة، وتسر القارئ العربي الذي لا يقرأ الإنجليزية حين يقرأ الكتاب بلغة عربية تقارب لغة إدوارد سعيد جمالاً، وأن يقرأ الكتاب كما كتبه إدوارد سعيد، وأن يطَّلع بيُسر على هذا الكتاب الذي غرَّبت بذِكره اللغات الأخرى وشرَّقت، وحُرمت اللغة العربية منه.
(ملاحظة أخيرة: سيلاحظ القارئ أن الخط الذي استخدمتُه في كتابة هذه المراجعة هو Simplified Arabic والمشكلة فيه أنه يفرِّق في كتابة «الشدَّة المكسورة» بين الشدة والكسرة فيضع الشدة فوق الحرف والكسرة تحته، بدلاً من المعهود من وضعهما معًا فوق الحرف. وهذا تنبيه للقارئ حتى لا يتهمني بالعبث بالحركات!).
** **
- أ. د. حمزة بن قبلان المزيني