سماؤك غائمة أبداً، تنهض لهفتك نحو مشرق الشمس، رجفة واهنة تعبرك، تجدُ أن الصبح أسفرَ بلا ضوء، بلا شمس، بلا أمل.
وجع مراوغ يتلوّى بين نهارك وليلك، وكلمّا هممتَ بالانفلات منه وظننتَ أنك نجوت، تشعر به ينسلّ ثانية من هواجسك ويصبُّ في قاع نفسك .
تنؤ بأثقال الغد الآتي، ببطء تسير خطواتك، ظاناً أنها خطوات معدودة نحو الفناء، يقرصك الوجع الذي لا يستقرّ في مكان، كل يوم له شأن جديد مع ارتجافاتك، حيناً يضرب في الظهر، وفي يوم آخر يأتي منهكاً البطن، ومرات عديدة سابقة شعرتَ أن قلبك على طرف التوقف والتلاشي، كنتَ إذ ذاك ترقبُ نبضات معصمك، تعدّ النبضات، تسبر سرعتها ثم تقطع بأن النبض متسارع، وأن في صمام القلب عواراً!
اليوم يفتكُ بك صداع مستمر منذ ثلاثة أيام، لا يتوقف، لا يغادر، التهمت علبة بنادول كاملة فلم ينطفئ ضخ موجات الألم في رأسك، تيقنت أن هذه هي نهاية كنت تنتظرها حين كان الوجع يلوب بين أعضائك، الآن قرر الوجع إنها مسرحيته العبثية في التنقلات الغبية، جمع سواده وقذف به في أمّ رأسك علّك تفوق وتتنبه أن نهاية المشوار على بُعد خطوات، تسير بتثاقل المتيقن من أن المسرحية في فصلها الأخير وستُسدل الستارة بعد قليل وينتهي كل أمل ولو كان طفيفاً.
الصداع يفتك، يتناوب، لا يدع لحظة تُفلت منه كي تُمدّك بذؤابة أمل، تقف بسيارتك أمام مبنى المستشفى، أملٌ متردد يناوب ألمك ويعينك على الترجّل من سيارتك والدخول إلى باب المستشفى، بجانب باب عيادة الطبيب تنتظر، توزع نظرات مودّع، تسأل نفسك هل تجري الحياة على نسقها المعتاد حين أغيب، هل يأتي المرضى للعلاج، هل تستمر الحياة بكل تجلياتها وعاداتها ونظامها اليومي، تشعُر فجأة أنك وحيد، أنك مسكين لا تستحق كل هذا النصب والعذاب.
تنادي الممرضة باسمك، يخفق قلبك خفقة قويّة وكأنك مدعو إلى الموت، يعبث الطبيب بقلمه، يسألك: من ماذا تشتكي؟
تغص بكلمتك، تستحلب ريقك، تُبلل جدران فمك ولسانك، تحاول مجدداً، تخرج كلمتك يابسة كقطعة خشب، تُشير بإصبعك إلى رأسك العطب، يساعدك الطبيب فتندلق بشكوى حزينة مرتابة، تصمت وأنت ترى الطبيب يحادث الممرضة، فتأتي له بنماذج ورقية يشير فيها بقلمه، ثم يناولها للمرضة التي تدعوك للحاق بها.
قطعت دهراً بين العيادة ومركز الأشعة، موجات الرنين المغناطيسي تتوالى بتتابع مرعب، يخفت رنينها فجأة، يتصاعد داخلك موت صغير، تظن أنهم سقطوا على علّتك، وأنك ستخرج من هذا النفق الأسود الذي دفعوك داخله، فجأة تتصاعد موجات الرنين المغناطيسي المُفجعة، تخور داخلك، تنقاد مستسلماً نحو حتفك المُنتظر.
قلّب الطبيب صور الأشعة وهو يُميل شفتيه، تناول تقرير طبيب الأشعة، قرأه بصمت، رفع رأسه نحوك وقال مبتسماً لا شيء??? لا شيء…
** **
- عبدالكريم بن محمد النملة