مضت سنوات عدة على رحيل الدكتور عبد العزيز الخويطر، حيث ذهب في رحلة الأبد والخلود، إلى حين يقوم الناس لرب العالمين.
الدكتور عبد العزيز الخويطر.. الأكاديمي وحامل اللقب الأول، والوزير المتنقل بين الوزارات ورئيس اللجنة العامة في مجلس الوزراء على مدى عقود من الزمن، وناقل الرسائل الملكية إلى الملوك والرؤساء في العالم، وصاحب المؤلفات والحياة الحافلة بالعطاء والحكمة والأدب رحل عنا تاركاً إرثاً عظيماً في مسيرته وتاريخه، ومكتبته زاخرة بكنوز المعرفة. ولكن لمن إنه سؤال صعب في زمن صعب...
الدكتور الخويطر... أستاذ جامعي يحمل مؤهلاً عالياً في تاريخ المملكة الحديث، وأول وكيل لجامعة سعودية حديثة ناشئة في المملكة، وهو الوزير الذي تقلد العديد من الوزارات وبقي وزيراً للمعارف ما يزيد عن عقدين من الزمان، وصداه في المحافل الفكرية، والأدبية، والسياسية لا يزال يتردد.
كما أنه المؤلف الذي بلغت مؤلفاته العشرات من المجلدات، وهو الحكيم الذي يزن الصغيرة والكبيرة بميزان الحكمة الحديثة كما نجده.
في الميادين الاجتماعية على صلة بكل الفئات والطبقات متبسطاً في حديثة ومجلسه ومشاركاً للناس في أفراحهم وأتراحهم.
حين تزوره في منزله البسيط في مبناه الكبير في محتواه... يأبى إلا أن يقوم لوداعك مشياً مسافة طويلة محتفياً وشاكراً لزيارتك له.
حتى وهو في أيامه وتعبه وإجهادهـ، يتودد للحاضرين في مجلسه ويلاطفهم بأعذب العبارات. لا يمل الحاضرين حديثه، ويصغون الى حكمته وأدبه وظرفه..
زار دمشق عام 1996م ضمن اللجنة السعودية السورية المشتركة فأراد وزير التربية السوري أن يحتفي به فدعاه إلى غداء خاص خارج الرسميات وكان ذلك في نادي الشرق الشهير وسط دمشق ودعا مجموعة من الوزراء السوريين كان من بينهم الدكتورة نجاح العطار وزيرة الثقافة آنذاك ونائبه رئيس الجمهورية للشؤون الثقافية حالياً وكنت الوحيد المصاحب له.. وبدأ الدكتور الخويطر يتحدث إلى الجميع بأسلوبه الرائع الأخاذ وينتقل من حديث إلى حديث ومن قصة لأخرى والجميع في غاية الإصغاء والانسجام، والإعجاب ولروعة الحديث وجمال سبكه ونوادره وظرفه لم يحاول أحد الحضور الأخذ بزمام الحديث
وعندما أراد أن يودع مضيفه والسادة الوزراء قال له وزير التربية: «ليتنا جعلنا الغداء عشاء ليكون في الوقت متسع وتكون المتعة أطول» وعلقت الدكتورة نجاح العطار قائلة: ولماذا لا يتم خطفه ثلاثة أيام ولا من شاف ولا من دري.. فأجاب الدكتور الخويطر بسرعته البديهية المعهودة وباللهجة الشامية المتقنة «خطف عن خطف بتفرق» وانفجر الجميع في ضحكات مدوية. وافترقوا وكانت هذه آخر زيارة له إلى دمشق عدا زيارات يقوم فيها بحمل رسائل من قيادة المملكة إلي رئيس الجمهورية «حافظ الأسد»
وفي العمل الرسمي والإداري.. فهو الصارم الحازم لا يخرج عن الأنظمة قيد شعره ولا يمكن لأحد أن يأخذ ما ليس له، كما أنه لا يحول دون استحقاق مستحق.. وشروحه وتعليقاته على الأوراق والمعاملات الدائرة مثار الدهشة والإعجاب في دقتها وصوابها واختصار مبناها وعمق معناها.. وللتاريخ أن يحكم على مسيرته العملية التي كانت مجالاً واسعاً للتجاذب والاختلاف - رحمه الله-.
وعن علمه وحبه لاقتناء الكتب التراثية منها والحديثة فقد كان يكلفني بتأمين بعضها من دمشق حين كنت أعمل ملحقاً ثقافياً وهو حريص كل الحرص أن يكون الكتاب محققاً ومفهرساً فهرسة جيدة...
ويرى أن الفهرس من السمات المهمة للكتاب ويقول: الناس تستثمر أموالها في المشاريع والمباني والعقار وأنا أصرف المال على شراء الكتب.. قلت له: من كان في مثل حكمتك وزهدك وشغفك بالبحث والتأليف فلا يمكن إلا أن يكون الناسك في محراب العلم دون سواه.
وداعاً... أيها الإنسان خلقاً وتهذيباً ونزاهة وصدقاً.
وداعاً وأنت الرجل بمساحة الوطن عطاءً وتأثيراً.
وداعاً... رجل الحكمة الحديثة الجديدة.. ستبقى في ضمير الأجيال تحملك مشعلاً وفكراً.
** **
- خالد محمد الخنين