طالمَا تغنت العرب بقيمٍ كثيرة جدًّا، ومن أبرز هذه القيم: قيمة الوفاء، فقد أكْثَرَ شعراؤهم طرقها! وردد حكماؤهم أمثالها، وما هذا إلا لاعتزازهم بالوفاء وأهله! فالحياة بدون الوفاء لا تطاق! والكتاب الذي أحدثكم عنه لأخي، ورفيق من رِفاق العمر، وصديق من أصدقاء الوفاء: فهد العليان فهو والوفاء صديقان لايفترقان! ومن عرف أبا علي فقد عرف الوفاء!
وقد عرفت أبا علي منذ أكثر من ثلاثين عامًا وعرفت الوفاء في أسمى معانيه… رجل كله وفاء… وفاء للأقارب…وفاء للأصدقاء… وفاء للزملاء… بل وفاءٌ للعمال المساكين وأنا على ذلك من الشاهدين! هذا الكتاب الذي أحدثكم عنه، كله وفاء، ووفاء كله! وخلف كل وفاء قصص من النبل، وقصص من المكارم، فأبو علي يسرد لنا بعفوية جميلة، حكايا عن عدد من الشخصيات اللاتي تأثَّر بها، إمَّا في طفولته أو في شبابه، أو حتى حين وصل مرحلة النصج! فهو يعرض للقارئ الشخصيةَ التي تأثر بها بشكل عام، ثم يغوص به في ذلك الجزء الذي تأثر به، ليقاسمه مشاعره وذكرياته!
الكتاب مرات أقول عنه: إنه في فن: الإخوانيات وهذا الفن ( الإخوانيات) ظهر في العصر العباسي، وأظن أنَّ أول من كتب فيه: التوحيدي، ومن أوائل من جمع فيه وأبرزه للناس:الثعالبي، حينما خصص له بابًا في كتابه: يتيمة الدهر… فالكتاب الذي أحدثكم عنه كله مودَّة، وصداقة، ومروءة ووفاء! ومرات أقول عنه: إنه في فن: السيرة الغيرية! فالمؤلف يتحدث عن شخصيات مُلِهمة، يُقَرِّبها لنا بقلمه الذي يُشبه عدسة المصور المحترف! الجميل أيضًا لقارئ الكتاب أنه سيجد المؤلف قد نوَّع له في هذه الشخصيات التي كتب عنها، فهو يكتب مرة عن ابنته حنين، ومرة عن صديق حارة، ومرة عن لاعب، ومرة عن شيخٍ كبير! ومرة عن ثريٍ مطنوخ! ومرة… ونظرًا للعلاقة التي جمعتني مع أبي علي التي زادت عن الثلاثين عامًا، فأنا أعرف أكثر الشخصيات التي كتب عنها، وهي شخصيات مؤثرة وملهمة حقًا لمن عرفها، ولعلي أذكر إحداها, وهو الأستاذ الدكتور: جبريل العريشي رحمه الله، وأسكنه الفردوس الأعلى… وأقولها بفرح يشوبه حزن: إنه من الشخصيات النادرة في طيبة القلب! فروحه كلها نقاء وطُهر ونور! صاحب يدٌ كريمة، و نفسٌ سمحة بعيدةٌ عن الدنيا وأطماعها، لذلك تراه متواضعًا ، لايعرف له الكِبْرُ طريقًا..
أقول هذا وأنا أعرفه حق المعرفة، فقد اشتركتْ معه في عدد من اللجان، وسافرت معه ولازمته كظله… كان ينزعج عندما أقول: يادكتور، أو أعطيه تقريرًا، ليوقعه وقد كتبت قبل اسمه حرف الدال! فكان يقول: لن أوقعه حتى تشيل حرف الدال! يقول هذا ومعه شهادتا دكتوراه! أمَّا في الجوانب الخيرية فكان لا يتأخر عن دعمها بكل ما يملك، ومن الطرائف رحمة الله عليه، أننا عندما كنا نعمل سويًّا في معرض الرياض الدولي للكتاب، مررنا بجناح جمعية إنسان، وكان فيه طفل وطفلة من أبناء الجمعية، فسَّلم عليهم بحرارة، ثم قال: يا أباعبدالله، التفت للخلف فالتفت، ولكني عدت بسرعة، فلمحته وقد أعطى كل واحد منهما خمسمائة ريال! فقلت له: لقد شاهدت كل شيء! فما زاد عن: الله يهديك، الله يسامحك راح أجري! فقلت له: يا أبا الحسن أجرك ثابت، بإذن الله وهو على نيتك، وأعطيك وعدًا ألا أُخبر أحدًا! أعود إلى كتاب حكايا لقد ملأه أخي أبو علي بالوفاء، ملأه بالمودة، بأسلوب عفوي مُبْهِج، ولغة عذبة جعلت الكتاب يذوب رقةً وابتهاجًا بجميع الشخصيات التي حكى لنا عنها، فاشتقنا لرؤيتها!
* * إشارة: الكتاب بعنوان: حكايا من الذاكرة من إصدار: دار جداول للنشر و موجود في المعرض.
** **
- راشد بن محمد الشعلان