كم من أناس وشخصيات يعبرون أفق حياتنا ويمرون مرور الكرام، فيما يبقى آخرون لهم في النفس أثر وألق ومواقف وبصمات يصعب نسيانها ومحوها من الذاكرة، وإن لم يكن لنا معهم طول مقام ومتسع كبير من اللقاءات المتوالية، ومن هؤلاء الذين سعدت بمعرفتهم سعادة اللواء عبدالقادر عبدالحي كمال الأديب الأريب ورجل الأمن اللبيب، رجل الرأي والشورى المتآزر بحكمة الانتماء وفطنة الولاء وهمة الرجال، والنسمة المجللة بالجمال، والغصن المورق بالعاطفة الصادقة والمرهفة.
ومعرفتي بسعادته بدأت مبكرة رغم فارق السن بيني ويبنه، وعرفته قبل أن يعرفني وكنت أسمع عنه الكثير من خلال عدد من أفراد أسرته الكريمة المقيمة بالطائف (آل كمال) وهم أسرة علم وفضل وممن تربطني بعدد كبير منهم علاقة زمالة وعمل وود وأخوة وتقدير وإجلال ومنهم الأديب والمؤرّخ الفاضل محمد سعيد كمال -رحمه الله - صاحب مكتبة المعارف التي تأسست عام 1367هـ، وكانت تمثِّل لنا زاداً معرفياً وثقافياً زاخراً بعلوم التاريخ والأدب والشعر والتراث، وما أسهمت به من طبع ونشر كتب التراث والفنون الشعبية والكتب المدرسية فضلاً عن أنها كانت تمثِّل مقصداً للباحثين وملتقى للأدباء والعلماء والمؤرِّخين، ومن هذه الأسرة أيضاً أتذكر الأستاذ إبراهيم كمال -رحمه الله - رئيس الغرفة التجارية الصناعية بالطائف الأسبق والذي عملت معه بمجلة الغرفة التجارية بالطائف، والدكتور سليمان كمال الأستاذ بجامعة أم القرى الأسبق، والعقيد مصطفى كمال، ورجل الأعمال والورد الطائفي المميز خالد كمال وأخاه العميد سراج كمال مدير إدارة مرور المدينة المنورة الأسبق، والأستاذ حسان كمال وغيرهم من أفراد هذه الأسرة العريقة بالطائف. ولا أنسى والد سعادة اللواء عبدالقادر كمال المربي والمؤرِّخ والقاضي والعالم الوقور الشيخ عبدالحي كمال -رحمه الله - والذي كان يطل علينا شهرياً بمقالاته الثرية بالمعلومات عن تاريخ عروس المصايف وأهلها وسكانها وعاداتهم الاجتماعية وكان ينشرها بمجلة الطائف.
أما بداية معرفتي الشخصية باللواء عبدالقادر كمال فبدأت تتسع وتتوثّق منذ عملي بمديرية الأمن العام بالرياض، وبعد انتقال عمله من مدير شرطة أبها إلى مدير عام الإدارة العامة للمرور بالرياض أحد أجهزة مديرية الأمن العام، وكنت التقيه لدى قدومه للمديرية ما بين وقت وآخر، وخلال تلك الفترة ما زلت أذكر له ما نفذه من حملة تثقيفية جميلة لرجال المرور للارتقاء بهم نحو تلقائية التعامل الإنساني مع إخوانهم المواطنين وكسر تلك الرهبة والجفوة التي كانت تلحق برجال المرور وإشعارهم بأن هؤلاء هم إخوانهم وهم الصديق والرفيق على الطريق فكانت أسابيع المرور في فترة عمله أسابيع للتقارب والتعاون والمحبة بين المواطن ورجل المرور، كما لا أنسى إبان تكليفه برئاسة لجنة إعادة تنظيم الأجهزة الأمنية بدول مجلس التعاون الخليجي وكنت أعمل ضمن سكرتارية اللجنة التي امتدت لعدة شهور، وكم كانت استفادتنا منه عظيمة نحن كوفد للمملكة المستضيفة لأعمال هذه اللجنة بما يثرينا به في أوقات الراحة من معلومات ووقفات لغوية وخاصة أثناء كتابتنا للتقرير النهائي لأعمال اللجنة المرفوع لأصحاب السمو وزراء الداخلية بدول مجلس التعاون، وما كان يدخله علينا من بهجة وسرور عندما نطلب منه إلقاء بعض قصائده الشعرية الجميلة التي كان يمزجها بشيء من القصص التراثية العربية الجميلة وكأنه يقرأ من كتاب حتى كنا نتمنى أن تطول تلك الجلسات ولا تنقطع لنستفيد منه ومن علمه وأدبه وبلاغته وسلاسة إلقائه وطراوة حديثه.
وليدفعنا ذلك فيما بعد لندمن على قراءة مقالاته وقصائده العذبة التي ينشرها بصحفنا المحلية كجريدة عكاظ والمدينة والجزيرة، ثم نطل عليه من خلال دواوينه الشعرية التي تنم عن شخصية محبة للجمال والعطاء والارتقاء، وما يتسم به شعره من حكمة ووجدانية وتفاعل مع الشأن الاجتماعي وهموم وقضايا الأمة.
هذا هو عبدالقادر كمال كما عرفته الأنيق في مظهره ومخبره، المتفاني في خدمة بلاده، المحب للأدب والأدباء، وفي كل محطة من محطات عمله ومسيرته يطل علينا ببصماته الوضاءة بأداء مهني راق، وخلق رفيع ورحابة صدر الأخ الكبير المحب للجميع، والذي تعلمنا منه الشيء الكثير والكثير، وكل ما أتمناه له دوام الصحة والتوفيق والتألق في محراب الكلمة الشاعرة والعبارة المحلّقة في سماء الإبداع.
** **
mishaalalh94@gmail.com