د. محمد بن إبراهيم الملحم
أتوقف قليلاً عن سلسلتي التي بدأتها حول التغيير التعليمي لأتحدث حديثاً يلائم مستجدات التعليم اليوم في تعيين معالي الوزير الجديد الأستاذ يوسف البنيان، وفقه الله وسدده وحقق على يديه طموحات القيادة الكريمة التي تحمل هم بناء هذا الوطن بناء يليق بأبنائه ومواطنيه، فبارك الله في جهودهم وسددهم. ولهذا السبب أجد أن أهم ما أتناوله هو إستراتيجية التعليم والتي بُنيت لتواكب رؤية بلادنا النهضوية الرائعة (رؤية 2030) ومع أنها قدمت مستهدفات (مبادرات) جيدة وطموحة ولغتها بليغة إلا أنها في رأيي لم توفق في رسم سياسات تنفيذ تلك المستهدفات خاصة أنها لم تبن مؤشرات أداء KPIs تعكس مدى تحقق الجانب النوعي لها. ولقد بنيت ملاحظاتي هذه من مراجعتي لوثيقة رؤية التعليم التي وضعها مكتب تحقيق الرؤية على موقع الوزارة أواخر سنة 1439 (ولم يتم تحديثها بعد ذلك!)، وقد لاحظت فيها حشداً كبيراً لمبادرات تكاد تشمل كل ما يخطر ببالك من مجالات الوزارة سواء في التعليم العام أو التعليم الجامعي، ولكنها تحت كل مبادرة اكتفت بوضع «أهداف إستراتيجية» ولم تخدمها ببرامج مقترحة ولا مؤشرات أداء KPIs كما أنها لم تحدد أطرًا زمنية أو تقدم خطة تنفيذ. ولهذا السبب فقد كان قسم «منجزات الرؤية» عموميًا فضفاضًا لا يربط بين الأنشطة التي قدمت على أنها «منجزات» والمستهدفات أو المبادرات التي يفترض أن تنتمي لها. وهذا ما ينبغي أن يكون ليتمكن المراقب من معرفة ما هي نسبة تحقيق أو إنجاز هذه الرؤية التعليمية. لقد كان عدد المنجزات 12 منجزاً ولم يوضح التقرير نقاط ارتباطها بالمبادرات أو الأهداف الإستراتيجية، ومع ذلك ولنتمكن من تكوين تصور عام جدًا فعندما نتذكر أن عدد المبادرات هو 85 مبادرة فإن نسبة المنجزات الـ12 إلى هذا العدد الكبير من المبادرات هي 14 % فقط.
من الأساسي وجود الترابط العضوي الواضح بين كل مبادرة أو برنامج تقوم به الوزارة والأهداف الإستراتيجية لرؤية الوزارة والتي ستربط تلك المبادرات بما خدمته بها في رؤية المملكة على المستوى الأكبر، وهو ما سيوضح للدارس «نسبة مشاركة» التعليم في تحقيق الرؤية الوطنية على المستوى العام، ولكن هذا الترابط غير واضح حاليًا لا في تصميم إستراتيجية رؤية التعليم ولا في تقرير منجزاتها، وحيث إن ما نشره مكتب الرؤية قديم (1439) كما أسلفت فقد بحثت في صفحات موقع الوزارة طمعًا في تقرير أوفى يغير رأيي هذا ويطمئنني أكثر فعثرت على تقرير نشر بتاريخ 14-09-1442 بعنوان «منجزات التعليم في رؤية 2030 .. بناء الإنسان للمنافسة عالمياً» ووجدت فيه تكراراً لما ورد من منجزات تقرير مكتب تحقيق الرؤية المذكور بالإضافة إلى جوانب «كمية» أخرى حيث تحدث كلا التقريرين تقريبًا عن منصة (مدرستي) وبوابة عين والروضة الافتراضيّة، واستثمار القطاع الخاص في المرافق التعليمية والتعليم الأهلي من خلال عقد مشروع تمويل وإنشاء مبانٍ تعليمية بنموذج (BMT). وزيادة نسبة الالتحاق برياض الأطفال والصفوف الأولية (ولا أدري كيف يكون هذا منجزًا بمقارنته بنسبة النمو السكانية فلا توجد أرقام) وارتفاع نسبة إسناد تدريس الصفوف الأولية (بنين) للمعلمات!، وإطلاق مراكز للعلوم والرياضيات STEM، وتحسن نتائج الطلبة في الاختبارات الدولية (وهذه سبق أن وضحنا عدم دقتها من حيث مقارنتها بالترند العام بدلاً من المقارنة مع سنوات سابقة بطريقة انتقائية)، كذلك تشغيل مراكز جديدة للتربية الخاصة في 5 مدن، و70 برنامجاً للتدخل المبكر في الروضات الحكومية، وما إلى ذلك من الإنجازات «الكمية» البحتة وتحقيق إنجازات في مسابقات دولية وتصنيفات دولية للجامعات والتي لا أجد في أحدها ما يمس أهم جوانب جودة العملية التعليمية والتربوية وهو تحسين مخرجات التعليم: فلم أجد ما يتناول تحسين العملية التدريسية أو تحسين خطط الدراسة بمواءمة المناهج مع متطلبات تحسين التعليم أو تمكين المعلم أو تطوير القيادات المدرسية والتعليمية مع قياسات توضح ما تم إنجازه بشكل علمي مقنن، هذه الجوانب هي الهم الذي يدندن حوله الغالبية العظمى ممن يطالبون الوزارة بالتغيير وتحسين العلمية التعليمية.
ومن جانب آخر فعندما نتأمل نص «رؤية الوزارة» نجده يفرض تحديات نوعية غير اعتيادية فهو ينص على «تعليم مُتميز عالي الجودة بكوادر تعليمية مُؤهلة لبناء مُواطن مُعتزّ بقيمه الوطنية ومُنافس عالمياً.» وإن كل جملة من كلمتين أو ثلاث من هذه الرؤية لها مترتبات كبيرة وكبيرة جدًا لتحقيقها، وعندما نتساءل ما هي يا ترى المسافة التي قطعتها الجهود لكل من هذه سنجد أنها إما في البدايات أو ربما لا نستطيع التعرف على تلك الجهود أصلاً.. فمثلاً لا أستطيع أن أتبين ما هي المجالات التي تبذلها الوزارة لتمكين المعلمين ليكونوا «كوادر تعليمية مؤهلة» كما نصت الرؤية، فهل هناك برامج خاصة في كليات التربية لهذا الغرض أو هناك أنشطة تدريب شاملة لتأهيل المعلمين، خاصة المستجدين منهم! وإن وجدت فماذا حققت؟ أتفهم أن هناك مسابقات بين المعلمين لتكريم المتعلم المتميز لكن مثل هذه «الاحتفاليات» لن تخدم رؤية وزارية بعرض معلمي الوطن كله أو لنقل ثلاثة أرباعهم حتى.
خلاصة القول ألا تتفقون معي أن إستراتيجية وزارة التعليم لتحقيق رؤية المملكة بحاجة إلى إعادة صياغة بأيدٍ خبيرة مع قياسات بعين بصيرة؟