م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1 - الكتابة هي محاورة لِلُّغة لفهمها، أو مداورة على اللغة للاحتيال عليها، أو محاولة دفع اللغة إلى أقصاها للخروج منها بنص عالي الجودة، أو مراقصة اللغة، وأحياناً مصارعتها.
2 - في الكتابة هناك طرفان؛ الكاتب واللغة.. الكاتب بَشَرٌ بمدركاته، ومعارفه، وقدراته، وقوته، وضعفه، وأحاسيسه التي تنتابه أثناء الكتابة.. ثم اللغة بعمقها واتساعها وأنها كائن مشاع لا أحد يملكها وحده، ولا أحد يملكها كلها، ولا أحد يستطيع أن يطوّعها دائماً على هواه.. وأنها بحر واسع عميق، قعره مظلم، وسطحه يمكن أن يكون هادئاً خفيف الموج تستطيع أن تبحر فيه بيسر وسهولة.. أو يمكن أن يكون هائجاً عنيف الموج قد يكسر أشرعة قاربك ويقلبه رأساً على عقب.. فاللغة عملاق حتى وإن سار معك يجب الحذر منه والتعامل معه بحرص وروية، فقد يتحول إلى وحش عنيف يدمرك دون أن تفطن له.
3 - من الكتّاب من يراقص اللغة بتناغم وانسيابية أخاذة، ومنهم من يتصارع معها فتسمع صوت الارتطام وتكسير العظام.. هناك من تقرأ لهم فتحس أنك أمام نص سهل ممتنع، وهناك من تقرأ لهم فلا تنتقل من جملة إلى أخرى إلا بعد توقف وتفكير ومحاولة للتفسير والتأويل، وماذا يقصد الكاتب، وبماذا عَبَّرت اللغة.. هناك من يكتب وكأنه في تحدٍ مع اللغة، يطرقها ويمزقها ويكسرها ويسحقها ويلوي ذراعها وعنقها كي يقول جملة واحدة.. وهناك من الكتاب من يأخذك بيدك من الكلمة الأولى وكأنك سارح في خيال حالم لا تفطن له إلا عند نهاية النص.
4 - التفاعل مع اللغة مهارة بالنسبة للكاتب.. تلك المهارة تتطور وتتحسن مع التدريب.. فالكاتب يبدأ بالكتابة بشكل بسيط لكن رديء، ثم يتطور قليلاً فيكتب بشكل صعب لكن بلغة أفضل، ثم يتطور كثيراً فيكتب بشكل بسيط ولغة جيدة.. فالقارئ يبحث عن البساطة والجودة معاً، لا يريد التعقيد والصعوبة، وسوف يهرب من قراءة الأسلوب الصعب المعقد حتى لو كانت الفكرة جيدة.. الخلاصة أن اللغة هي الوسيط بين الكاتب والقارئ ولا صلة بينهما دون اللغة.
5 - القارئ هو المستهدف النهائي من إنتاج الكاتب، واللغة هي وسيلة الكاتب للوصول إلى القارئ.. فاللغة هي التي تكسو الفكرة التي هي بضاعة الكاتب.. هذه البضاعة إذا لم تقدم بالشكل اللائق المقبول فلن يقبلها المُسْتَقْبل.. الكاتب لا يبيع اللغة بل يبع الفكرة، والفكرة بشكلها الأصلي خشنة ليس لها معنى أو سمة إذا لم تُقَدَّم بشكل مفهوم، وهنا يأتي دور اللغة.
6 - أخيراً القراء أنواع، منهم العميق واسع الاطلاع ومنهم السطحي.. منهم المتأني الباحث عن المعلومة ومنهم المتعجل الباحث عن التسلية.. منهم الراغب بالقراءة بدافع ذاتي ومنهم المدفوع للقراءة بدافع خارجي لأداء امتحان مثلاً أو إعداد تقرير.. هناك قارئ يقرأ بفكر ناقد لا يمرر أي شيء دون فحص أو محاكمة عقلية، وهناك آخر يقرأ بلا إدراك ويتلقى كإسفنجة تمتص ما يقع عليها دون فحص أو تمحيص.. القارئ الذي يفكر وينقد يتطور وينمو وتتسع مداركه مع زيادة اطلاعه.. أما الذي لا ينقد لأنه لا يفكر فهو لا يستفيد من قراءته سوى الضجيج.. كلمات تتلاطم في رأسه وأمام عينيه ثم تركد ويطفو فوقها الزَّبَد، فهي غثاء كغثاء السيل.