محمد سليمان العنقري
تُعرف المسؤولية الاجتماعية بأنها نظرية أخلاقية تقوم على أن أي منشأة أو فرد يفترض أن يقوم بأعمال تخدم المجتمع، وذلك لغرض الموازنة بين التنمية الاقتصادية ورفاهية المجتمع ودعم سلامة البيئة فهي تشمل كافة المجالات الحيوية التي ترتبط بنشاط المجتمع وقد تكون أغلب الأعمال التي تستحوذ على أغلب النشاطات بالمجتمع تحت شعار المسؤولية الاجتماعية متعلقة إما بدعم مشاريع صحية أو تعليمية وتدريبية أو أعمال خيرية لدعم أسر ذات دخل محدود باحتياجات أساسية. ومن المعروف أن المسؤولية الاجتماعية أصبحت ركيزة أساسية بالتنمية الاجتماعية في أغلب دول العالم والمملكة توليها أهمية كبيرة نظراً لما لها من دور حيوي بتفاعل وتكاتف المجتمع، فهي تشمل أنشطة عديدة ويمكن أن تسهم المنشآت والأفراد بدعم أعمال ليست تقليدية، أي غير التي اعتاد المجتمع على أن تكون من مبادرات المسؤولية الاجتماعية، فيمكن أن تلعب دوراً مهماً في إضافة النشاط الثقافي للقطاعات التي تخدمها المسؤولية الاجتماعية وذلك لنشر ثقافة الفنون والمساهمة مع الجهات المعنية بتحقيق الأهداف الثقافية.
فمن بين محاور رؤية 2030 الرئيسية المجتمع الحيوي والذي يتضمن أهداف عديدة تحول المحتمع إلى خلية نحل تعمل لإنجاز تلك الأهداف، ومن بينها رفع إنفاق الأسر على الثقافة والترفيه من 2.6 إلى 6 بالمائة من دخلها. وعند التركيز على الحانب الثقافي يبرز الفن التشكيلي والبصري عموماً من أهمها، ولكن بكل تأكيد يتطلب ذلك إظهار مواهب الأفراد بالمحتمع وإخراج أعمالهم لتعرض بما يعني إتاحة الفرصة لهم عبر كل الطرق. ورغم الجهود التي تُبذل من الجهات الرسمية المعنية لتحقيق ذلك إلا أن مؤسسات القطاع الخاص التي يتركز نشاطها بمعارض للفنون يبقى لها دور رئيسي واسع بنشر الفنون، وأيضاً يبرز دور مهم لها في الوصول لموهوبين بالرسم والنحت من فئات لا تتوفر لهم الفرص الكبيرة لعرض أعمالهم. وبذلك يظهر دور المسؤولية الاجتماعية بالمجال الثقافي على السطح ليحقق لتلك الفئات أمنياتها بأن تنشر أعمالها، ومثال على ذلك فقد قامت الجمعية السعودية للإعاقة السمعية بالمنطقة الشرقية التي ترعى الموهوبين الذين تتابع حالاتهم الإعاقية بإقامة معرض بالتعاون مع مؤسسة ضاوي جاليري من القطاع الخاص لعرض أعمال فنانات موهوبات من الصم وذوي الإعاقة السمعية تحت مسمى (الحياة ألوان) والذي ذهب ريع بيع أعماله بالكامل لصالح الفنانات مع تكفل المؤسسة الحاضنة للمعرض بتكاليف مادية وكذلك بدعم معنوي للفناتات كتعبير صادق عن المسؤولية الاجتماعية وقد دعم المعرض بافتتاح من قبل مدير فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بالمنطقة الشرقية، وقد لقي صدى وتفاعلاً إيجابيًا من المحتمع نظراً لأهمية إعطاء الفرصة لهذه الفئات العزيزة على المجتمع وبحسب تقييم هذه الأصداء الإيجابية، ومنها ما كان نقداً فنياًً للأعمال فإن المستوى الذي قدم يرقى لمصافي المحترفين للفن مما يعني ضرورة عمل المزيد للتوسع بالوصول لكل موهوب لكي يعرض أعماله.
فالفنانون الموهوبون من ذوي الإعاقة أيًا كان نوعها يمكن أن يحققوا نجاحات كبيرة وينتقلوا لمهنة واحتراف بالفن يؤمن لهم دخلاً مجزياً، لكن ذلك يتطلب دعماً بنواحي عديدة من الجهات المعنية بالشأن الثقافي، ومن بينها دعم مبادرات المسؤولية الاجتماعية للأعمال الثقافية، إضافة لدراسة أحوال هؤلاء الموهوبين ودعمهم بما يحتاجونه من تأهيل وصقل لموهبتهم وشمولهم بأي برامج أو مبادرات للتفرغ الثقافي كحال الرياضيين. فإتاحة الفرصة لهم ستحقق أهدافًا عديدة ودعماً للحركة الثقافية ودوراً واسعاً لكل أفراد المجتمع مع أهمية الاستفادة من القطاع الخاص ودعمه بأن يكون النافذة التي يطل منها هؤلاء الموهوبون غير المقتدرين على نشر أعمالهم، فالفن التشكيلي والبصري يعد رافدًا ماديًا ضخمًا بدول عديدة، إذ تجاوز حجم سوق اللوحات عالمياً 60 إلى 70 مليار دولار سنوياً حسب بعض الإحصاءات، فالفرصة متاحة بالمملكة لكي يكون هذا السوق نشطاً ويحقق معدلات نمو عالية بعد إطلاق العديد من الأنظمة والمبادرات الداعمة للقطاع الثقافي لكن للوصول إلى رفع حجم هذا السوق لابد من زيادة الإنتاج الفني من خلال الوصول لكل الموهوبين تحديداً من ذوي الإعاقات أو الدخل المحدود بكل مناطق المملكة، لأن ذلك سيحقق إنتاجاً وفيراً ومتنوعاً وسينقل تراث وثقافة المحتمع لكل المجتمع ويسهم بنشر الثقافة الوطنية محلياً وحتى خارجياً
رؤية المملكة أن تكون «مركزًا إقليميًا للفنون البصرية يسعى إلى تشجيع المجتمع المحلي على تذوق الفن والاحتفاء به، وتوفير فرص فريدة لنمو المواهب المحلية، وتمكين الممارسين على مستوى عالمي بروح وطنية «ومما لا شك فيه أن نشر هذا الفن الثقافي والذي يعد من أدوات القوة الناعمة والرسالة التي يعبر من خلالها المجتمع للعالم عن أصالته وعراقته تتطلب تفاعلاً من كل الأطراف وبكل الوسائل والمنافذ المناسبة. ولعل دعم المسؤولية الاحتماعية بالشأن الثقافي عبر الشراكة مع القطاع الخاص من قبل الجهات الرسمية المعنية وتقديم الدعم للموهوبين من كل الفئات، كحال ذوي الإعاقة السمعية وغيرهم ممن يحتاجون الدعم سيكون له أثر إيجابي كبير بدعم نشاط الفنون البصرية فمعرض الحياة ألوان الذي أقيم بمدينة الخبر هو الأول من نوعه بالمنطقة الشرقية، وهو ما يعني أن التوسع بهذه المبادرات ودعمها بكل المناطق والمدن سيكشف لنا عن أعداد كبيرة من المواهب وهو ما يرفد الحركة الثقافية ويساهم بالتنمية الاقتصادية من خلال زيادة إنتاج النشاط الثقافي ورفع مداخيل الفنانين الموهوبين ممن يحتاجون للدعم.