منصور ماجد الذيابي
بالإضافة لاستمرار احتلالها لجزيرة القرم, أعلنت روسيا أخيراً ضم أربع مقاطعات أوكرانية واعتبار سكان هذه المناطق الأوكرانية مواطنين روساً تشجيعاً لهم على الانفصال عن أوكرانيا وتكريماً لهم مقابل الإدلاء بأصواتهم في استفتاء شعبي يهدف إلى إضفاء شرعية دولية على انفصال وضم هذه المناطق إلى روسيا. وقد جاء هذا الإعلان بعد إجراء الاستفتاء الشعبي وبعد إعلان الرئيس الروسي التعبئة الجزئية في الحرب الدائرة مع أوكرانيا التي ردّت عملياً على ضم الأقاليم الأوكرانية بأن قام الرئيس الأوكراني زيلينسكي بالتوقيع على وثيقة لطلب انضمام بلاده عاجلاً لحلف شمال الأطلسي الذي وعد أوكرانيا كعادته بمواصلة دعمها بالسلاح للدفاع عن وحدة أراضيها وفقاً لما أعلنه رؤساء دول وحكومات في أوروبا وأمريكا.
وخلال حفل التوقيع على ضم نحو 20 % من مساحة أوكرانيا طالب الرئيس الروسي بوتين نظيره الأوكراني بوقف جميع العمليات العسكرية وقبول المفاوضات بينهما ما يشير إلى أن إعلان ضم الأراضي الأوكرانية إنما يكون بمثابة إعلانه نصراً عسكرياً في الحرب على أوكرانيا لا سيما بعد مطالبته أوكرانيا بوقف الحرب واحترام الإرادة الشعبية لسكّان إقليم دونباس وزابوروجيا وخيرسون ثم البدء في التفاوض دون التراجع عن ضم المقاطعات الأربع حسب وصفه.
يبقى السؤال المهم بعد توقيع مرسوم ضم المناطق الأوكرانية هو: هل تقبل دول حلف شمال الأطلسي طلب انضمام أوكرانيا كما قبلت من قبل انضمام السويد وفنلندا, أم أنها سوف ترفض الانضمام؟ ذلك أن قبول حلف الأطلسي طلب الانضمام يعني عملياً استعداد الناتو للمشاركة في العمليات العسكرية للحرب وفقاً لميثاق حلف الأطلسي الذي ينص على مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا في الحرب دفاعاً عن أي دولة عضو في التحالف العسكري. وفي تقديري أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تقبل بطلب أوكرانيا بغية أن تتجنّب التورط العسكري المباشر في المستنقع الأوكراني.
ورغم تنديد الدول الغربية بالخطوة الروسية التصعيدية والاكتفاء بتصريحات إعلامية مفادها أن أمريكا وأوروبا ستواصلان الدعم لأوكرانيا عسكرياً ودبلوماسياً ردّاً على انتهاك روسيا القانون الدولي, إلا أن روسيا بدت مستعدّة وجاهزة لأي احتمالات أو ردود أفعال أو حتى عقوبات اقتصادية جديدة ما يعني أن الرّوس كانوا عقدوا العزم على استعادة «روسيا العظيمة» كما جاء على لسان نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف الذي قال بأن «روسيا العظيمة تولد من جديد» في إشارة لطموحات السياسيين الرّوس باستعادة كل جمهوريات الاتحاد السوفيتي التي انفصلت واستقلّت في أعقاب انهيار الإمبراطورية السوفيتية خلال حقبة حرب النجوم.
وفي مقابل إعلان روسيا ضم الأقاليم الأوكرانية الأربع التي تتركز فيها معظم الثروات الأوكرانية, ردّت أمريكا وحلفائها الأوروبيين بفرض حزمة جديدة من العقوبات على أفراد وكيانات روسية. وفي تقديري الشخصي فإن العقوبات لم ولن تؤثِّر كثيراً في تغيير مسار الحرب لصالح القوات الأوكرانية كما ولن تؤول إلى استعادة أوكرانيا السيطرة على المناطق الجديدة التي احتلتها وضمّتها روسيا بالقوة العسكرية ما لم تتدخّل أوروبا وأمريكا فعلياً في هذه الحرب الأمر الذي يعني اندلاع حرب عالمية ثالثة كما ذكرت سابقاً في مقالات صحفية بعنوان «نُذر الحرب بين القطبين المتنافسين», و»روسيا تُحذِّر من وقوع حرب عالمية ثالثة», و»صراع الكبار» الذي إن حدث على الأرض فسوف يؤدي حتماً إلى إعادة تشكيل خارطة العالم، بل ويهدِّد الحياة على كوكب الأرض, وقد يعيد سيناريو حرب النّجوم بين روسيا وأمريكا إضافة إلى احتمال دخول الصين في الحرب العالمية.
وكمراقب للشأن الدّولي والإقليمي, فإن استمرار أوكرانيا في الحرب بالوكالة عن منظمة حلف شمال الأطلسي سيؤدي يوماً ما إلى انهيار الجيش الأوكراني وبالتالي تكبّد خسائر فادحة ليس لأوكرانيا القدرة الكافية على تحمّل تبعاتها الاقتصادية على المدى البعيد حتى مع استمرار الوعود الغربية بالوقوف إلى جانبها إذا ما أرادت الاستمرار في مقاومة الجيش الرّوسي المدجّج بكل أنواع الأسلحة الفتّاكة.
ولذلك, ومع استمرار الصراع العسكري, فلا يبدو أن هناك بارقة أمل تلوح في الأفق لإنهاء الحرب التي قد تطال نيرانها دولاً أخرى في العالم ما لم يشارك القطب الغربي في المعركة لمحاولة تغيير موازين القوة لصالح أوكرانيا وكذلك وقف تقدّم الرّوس على جبهات القتال الشرقية والجنوبية قبل أن تتمكَّن من ضم مقاطعات أخرى جديدة أو حتى ضمّ جمهوريات سوفيتية كانت انفصلت عن الاتحاد السوفيتي مثل بيلاروسيا والشيشان الحليفتين لروسيا في حربها ضد أوكرانيا, تلك الحرب التي إن استمرت وطال أمدها فسوف يتمخّض عنها مذابح جماعية وأزمات غذائية ومجاعة عالمية لم يشهد لها التاريخ مثيلاً عبر كل العصور الماضية.
وحينما تندلع الحرب بين القطبين المتنافسين فإن حروباً أخرى ثانوية فد تقع في إفريقيا وآسيا وفي بعض مناطق الشرق الأوسط بين إسرائيل وإيران من جهة وبين الصين وتايوان وربما بين تركيا واليونان من جهة أخرى طالما انشغلت القوى العظمى في صراع نووي يستنزف موارد الدول الغنية التي ترتبط بتحالفات عسكرية واقتصادية مع أحد قطبي النزاع النووي ناهيك عمَّا سيحدث لاحقاً من تضخّم اقتصادي وانفلات أمني وارتفاع لمعدلات الجريمة وعودة الجماعات الانفصالية المسلحة وانهيار النظام المالي العالمي.
وقعت أوكرانيا بين فكّي الأسد
فاستغاثت واسع الشّدقين ينوي الابتلاع