تحتفل المملكة العربية السعودية باليوم الوطني لتوحيد المملكة في 23 سبتمبر من كل عام. وهذا التاريخ يعود إلى المرسوم الملكي الذي أصدره الملك المؤسس عبدالعزيز برقم 2716، وتاريخ 17 جمادى الأولى عام 1351هـ، الذي قضى بتحويل اسم الدولة من مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى المملكة العربية السعودية، وذلك ابتداءً من يوم الخميس 21 جمادى الأولى 1351هـ الموافق فيه للأول من الميزان، والموافق يوم 23 سبتمبر من عام 1932م.
مراحل بناء المملكة العربية السعودية
مرت المملكة العربية السعودية بالعديد من المراحل أثناء قيامها، فهي لم تكن وليدة اليوم، ولم تنشأ بشكل مفاجئ لتكون الكيان العالمي المتواجد حالياً على خريطة العالم، ففي حالة بحثنا في التاريخ السعودي، يمكننا التعرف على مراحل قيام المملكة العربية السعودية المختلفة، فنجد أنه قد تم تأسيس الدولة، إلا أن قوى الشر قد تعاونت عليها فعملت على هدمها وانهيارها.. ولكنها هدمت، لتقوم مرة أخري، ويتوارث مجدها أبناؤها، ولتصل إلى ما هي عليه الآن.
قصة اليوم الوطني السعودي
كانت بدايات تأسيس المملكة العربية السعودية، منذ صدر القرن الثامن عشر، في عهد الإمام محمد بن سعود، وتحديداً في وسط سنة 1139هـ، أي ما يوافق سنة 1727 وفقاً للتاريخ الميلادي. حيث أعلن الإمام محمد بن سعود، عن تأسيسه للدولة السعودية الأولى، والتي اتخذ مدينة الدرعية عاصمة لها، والتي كانت تتواجد على مسافة ليست ببعيدة من العاصمة الحالية مدينة الرياض، علاوة على كون الإمام محمد بن سعود قد أعلن تحالفه مع محمد بن عبد الوهاب للقيام بحملات تصليحية في كامل الأراضي السعودية وشبه الجزيرة العربية.
مما آل إلى أن تقوم الدولة السعودية الأولى بحكم الهضبة الوسطى كلها، وهي المعروفة حاليا باسم «منطقة نجد» في سنة 1788م، وصولاً إلى مطلع القرن التاسع عشر، والذي قد وصلت فيه حدود الدولة السعودية لتتسع لأغلب منطقة شبه الجزيرة العربية، بما فيه الحرمان الشريفان مكة المكرمة والمدينة المنورة.
تنظيم الدولة السعودية وإصلاحها وتمهيد الطرقات
ومن الجدير بالذكر أن الإمام محمد بن سعود قد حرص كل الحرص على تنظيم الدولة السعودية، وإصلاحها وتمهيد الطرقات، فقد قام في الدولة بالعديد من الإنجازات التي أدت إلى ترابط الشعب به، وتأييدهم له، خصوصاً أن الدولة السعودية الأولى قد استمرت منذ سنة 1139هـ، وحتى سنة 1233هـ.
وكان السبب الأكثر أهمية في نجاح الدولة السعودية الأولى، هو اعتماد محمد بن سعود في حكمه على كتاب الله -عز وجل- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فقد حرص علي ترسيخ العقيدة والشريعة الإسلامية في البلاد.
وما كاد البناء يرتفع شامخاً حتى قامت الدولة العثمانية بإرسال قوات استكشافية مسلحة بالمدافع والبنادق الحديثة، إلى الجهة الغربية من شبه الجزيرة العربية، حتى أنهم قد حاصروا وداهموا عاصمة الدولة السعودية الأولى مدينة الدرعية. ونجحوا في دخولها وتدمير معالم الحياة والآدمية فيها كافة، وذلك سنة 1818م، وكانت هذه هي نهاية الدولة السعودية الأولى، ونهاية التأسيس السعودي، ولكن ليس نهاية الوجود السعودي، فلم تكن هذه الدولة سوى بدايات القيام السعودي.
الدولة السعودية الثانية وتأسيس المملكة
كما قد سبق وأوضحنا فإن سقوط الدولة السعودية الأولى، لم يكن بمثابة سقوط السعوديين، وإنما لحظة انطلاقهم، فكانوا بمثابة السهم المشدود بانتظار خروجه من القوس، فمع قدوم سنة 1824، كانت عائلة آل سعود قد تمكنت من فرض سيطرتها على وسط شبه الجزيرة العربية مرة أخرى. وبالفعل قام الإمام تركي بن عبدالله آل سعود بنقل سلطته إلى عاصمة الرياض، والتي لم تكن ببعيدة عن العاصمة السابقة، مدينة الدرعية، وذلك معلناً إقامته للدولة السعودية الثانية.
والجدير بالذكر هو أنه قد سار على خطى حكم محمد بن سعود، ودام حكمه قرابة الـ11 سنة. نجح خلالها في إرجاع أغلب الأراضي التي احتلتها الدولة العثمانية عند إسقاط الدولة السعودية الأولى.
وعلى الرغم من أنه كان يصب جلّ اهتمامه في توسيع رقعة دولته، فإنه لم ينسَ شعبه، وقد حرص كل الحرص على إحياء دولته وشعبه، وحصولهم علي حياة مليئة بالرفاهية والحقوق، فشهدت فترة حكمه نجاحاً اقتصادياً في المجالات كافة.
إلا أن الدولة قد بدأت في الانهيار بدءاً من سنة 1865م بوساطة الحملات العثمانية التي حرصت على توسيع رقعة الدولة في الشرق الأوسط، حتى أنها قد تمكنت من احتلال الكثير من الأراضي التي كان يملكها في هذه الفترة الإمام عبدالرحمن بن فيصل آل سعود، خصوصاً أن عائلة الرشيد قد حاربت بروحها في سبيل إسقاط الدولة السعودية.
وبهذا فقد كان قتاله من الجهتين؛ جهة يقاتل فيها عائلة الرشيد، والجهة الأخرى يواجه فيها واحداً من أقوى جيوش العالم؛ الجيش العثماني، وعلى الرغم من كون الإمام عبدالرحمن بن فيصل كان يحارب بكل ما لديه من قوة للحفاظ على دولته، إلا أنه قد تخلى عنها مكرهاً سنة 1891، ولجأ للعيش لدى البدو في صحراء شرق شبه الجزيرة العربية، والتي تعرف بصحراء الربع الخالي.
المملكة العربية السعودية الحديثة وتأسيس الدولة السعودية
بعدما انتهت الدولة السعودية الثانية، بقرابة العشر سنوات، وبعدما رحل الإمام عبدالرحمن بن فيصل إلى الكويت وعاش وعائلته ومحبوه فيها حتى سنة 1902م، تمكن الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن من الرجوع إلى شبه الجزيرة العربية، وتحرير مدينة الرياض واستعادتها، التي تعتبر ورثه الذي استولت عليه عائلة آل الرشيد.
في 5 شوال 1319هـ، الموافق 15 يناير 1902م تمكن الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية، من استعادة الرياض عاصمة أسلافه مؤسسي الدولة السعودية الثانية، والعودة بأسرته إليها، بمساعدة أربعين رجلاً من التابعين لآل سعود، وكانت حملة الاسترداد تقضي باحتلال قلعة المصمك، بداية إحياء المملكة الحديثة، وبعدما أعلن مدينة الرياض عاصمة لحكمه، تمكن من ضم كامل أراضي الحجاز لحكمه وبعدها المدينة المنورة في الفترة ما بين 1924 حتى 1925م.
بعد استرداد الرياض واصل الملك عبدالعزيز كفاحاً مسلحاً لمدة زادت على 30 عاماً، من أجل توحيد مملكته، وتمكن من توحيد العديد من المناطق، من أهمها: جنوب نجد، وسدير، والوشم سنة 1320هـ/ 1902م، من ثم القصيم سنة 1322هـ/ 1904م، ثم الأحساء سنة 1331هـ/ 1913م، وصولاً إلى عسير سنة 1338هـ/ 1919م، وحائل سنة 1340هـ/ 1921م، إلى أن تمكّن الملك المؤسس عبدالعزيز من ضم منطقة الحجاز بين عامي 1343هـ، و1344هـ، الموافقة لسنة 1925م، وفي عام 1349هـ- 1930م اكتمل توحيد منطقة جازان.
وقام الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-؛ في اليوم الموافق لتاريخ الثالث والعشرين من سبتمبر لسنة 1932 بضم الأقاليم والمناطق المتفرقة تحت راية واحدة؛ وهي راية «لا إله إلا الله»، معلناً هذه الأراضي باسم المملكة العربية السعودية، دولة عربية إسلامية، تحكم بكتاب الله وسنة رسوله.
وفي السابع عشر من شهر جمادى الأولى عام 1351هـ، الموافق التاسع عشر من شهر سبتمبر عام 1932م، صدر أمر ملكي للإعلان عن توحيد البلاد، وتسميتها باسم المملكة العربية السعودية؛ اعتباراً من الخميس 21 جمادى الأولى عام 1351هـ، الموافق 23 سبتمبر 1932م (الأول من الميزان).
** **
أ. حنان بنت خالد الخضيري - جامعة الملك سعود - قسم التاريخ