في لحظة شرود معتادة تفلّت القلم من يدي، فوقع على ثوبي الأبيض الزاهي، وترك عليه حبراً، وكأن أغنية «شخبط شخابيط» تجسدت على الثوب..
كان عليّ أن أذهب لأمسية ثقافية بعد أقل من ساعة من وقوع تلك الحادثة الشنيعة، وكيف لي أن أجد في الوقت متسعاً لاستبدال الثوب وشوارع الرياض البهية يجوبها هذه الأيام زحامٌ غير مسبوق في الوقت الذي ينتظر فيه سكانها بدء انطلاق مشروع الملك عبدالعزيز للنقل العام قريباً إن شاء الله.
احترت ماذا أفعل؟ أأعتذر عن الأمسية أم آتي بسطل دهانٍ يماثل لون ثوبي وأسكبه على الحبر؟ أم أحاول أن أحول تلك «الشخابيط» إلى لوحة فنية؟ أو أكتفي بالجلوس وأبكي من هول الموقف؟
ثم إنني تذكرت قصة ذكرها الدكتور عبدالعزيز الثنيان في كتابه «إنسانية ملك» ما نصها: «أن الملك عبدالعزيز رحمه الله ذات مرة وعلى غير ميعاد، زار مدرسة الأمراء في الرياض، ودخل إحدى غرف التدريس واجتمع حوله التلاميذ من أطفال آل سعود، ولحظ في ثوب أحدهم بقعة كبيرة من الحبر، والطالب يحاول إخفاءها عن نظر أبيه، فقال الملك له: يا بني لا تخفها؛ إنها عطر المتعلمين».
فكأنّ ماءً بارداً صب على قلبي، ولم يعد في بالي حرج وعزمت على أن أذهب إلى الأمسية..
استعدت بذاكرتي كتاب «إنسانية ملك» الذي يحمل جوانب اجتماعية وجدانية عن حياة ملك عظيم قد لا تجدها في كتب التاريخ التي تركز عادة على الجوانب الملحمية والبطولية، وذكر أحداث المعارك والإنجازات ونحو ذلك من الأمور المادية الحسية. وتمنيت أن تُجَسد تلك القصص في المواضيع الاجتماعية والتربوية ويستفاد منها في الأفلام الوطنية والسينيمائية ونحو ذلك.
رحم الله الملك عبدالعزيز وأبناءه الملوك من بعده وحفظ الملك سلمان وولي عهده، والشعب السعودي الكريم..
دخلت الأمسية واثق الخطى، وقلت في نفسي: لئن علّق أحدهم عليّ فوالله لأحاججنّه بهذه القصة، ولكن يبدو ألا أحد انتبه (وما أحد درى عني أصلاّ)، ثم قُدّمت إليّ القهوة السعودية المنعشة.. كانت لذيذة جداّ وهي مطعّمة بالزعفران، وفي غفلةٍ من أمري ارتعشت يدي فانسكبت القهوة على ثوبي محدثة بقعة صفراء فاقع لونها لا تسر الناظرين، ولم أعد أدري كيف أرقعها هذه المرة.