د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
اتخذت البنوك العالمية وعلى رأسها البنك المركزي الفيدرالي في أمريكا موقفاً أكثر تشدداً باعتبارها مخالب لهزيمة كارثة التضخم بدعم من الزيادات الحادة في أسعار الفائدة والتدخل في العملات، وهي في واحدة من أكثر التحولات المفاجئة في صنع السياسة الاقتصادية العالمية منذ عقود لاستعادة استقرار أسعار الأسعار مهما كان الثمن.
كان على رأس هذه البنوك الاحتياطي الفيدرالي الذي رفع 0.75 نقطة مئوية إلى نطاق يراوح بين 3 و3.25 في المائة في 21-9-2022 بعد أن كان هذا المعدل يقترب من الصفر في بداية 2022 ويتوقع أن تنتهي أسعار الفائدة بين 4.25 و4.5 في المائة، وهي أعلى نسبة منذ الأزمة المالية في 2008 و2009 من أجل رفع تكاليف الاقتراض والحد من الإنفاق الاستهلاكي والحد من إنفاق الشركات في محاولة للحد من التضخم المحلي التي يفترض أن تنتهي بهبوط سلس للاقتصاد دون ركود.
وسيكون هناك انزلاق بسيط في معدلات التضخم التي ارتفعت فوق 9.1 في المائة وهو الأعلى منذ 40 عاما، والمستهدف 2 في المائة، لكن بأول رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي اعترف في 21-9-2022 أن حدوث ذلك غير مرجح، لكنه أوضح أن على الاحتياطي أن يتغلب على التضخم وتمنى أن لو كانت هناك طريقة غير مؤلمة لتحقيق ذلك.
ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة الذي لم يكن على غرار التضخم في أوربا، لأن أمريكا منتجة للغاز والبترول الصخري، لكن في أوروبا سبب ارتفاع التضخم الأسعار الاستثنائية للغاز بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا، رغم أن العقوبات الغربية على روسيا لم تشمل الغاز، لكن روسيا هي التي فرضت دفع قيمة الغاز بالروبل، فيما التضخم الأساس في الاتحاد الأوربي أقل من الولايات المتحدة رغم تشابهه، لكنه أدى إلى انخفاض العملة الأوربية مقابل الدولار سجل أعلى مستوى في 20 عاما أدى إلى ارتفاع الواردات، وكذلك يساهم في رفع التضخم، رغم أنه يعزّز تنافسية صادراتها بالنسبة للولايات المتحدة، لذلك لم يرفع الفائدة البنك المركزي الأوربي رغم أنه رفعها لمستوى تاريخي لأول مرة منذ 2011، ففي سبتمبر 2022 رفع أسعار الفائدة 75 نقطة أساس لتصل إلى 1.25 نقطة لتثبيط الطلب والحماية من مخاطر الارتفاع الدائم في توقعات التضخم الذي بلغ 9.6 في المائة في يونيو 2022 في 19 دولة تستخدم اليورو، لكن كريستين لاغارد رئيسة البنك المركزي الأوربي اعتبرت أن السيناريو الأساسي لا يوجد ركود لا هذا العام ولا المقبل 2023، لكنها أقرت أن الأفق غائم غير واضح المعالم.
أربكت الحرب في أوكرانيا خطط المركزي الأوربي في إبقاء الفائدة الصفرية وخفض أسرع لمشتريات السندات مما كان مخططاً له لشراء 40 مليار يورو في أبريل 2022 تم تخفيضها إلى 20 مليار في يونيو 2022 ومن الممكن إنهاء البرنامج تماماً، بسبب أن الحرب لم تؤثر فقط على التضخم في أوروبا، بل أثرت كذلك على النشاط الاقتصادي بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء والسلع الأخرى، وأصبحت أسواق العمل ضيقة، وتعطيل التجارة الدولية وضرب الثقة.
طبيعي العملة السعودية مرتبطة بالعملة الأمريكية، فتم محاكاة البنك المركزي الأمريكي في رفع البنك المركزي السعودي ساما بـ 75 نقطة أساس ليرتفع من 2.5 إلى 3.25 في المائة، هذا بالنسبة اتفاقيات إعادة الشراء المعاكس الريبو العكسي وهي الفائدة التي تحصل عليها البنوك عند إيداع أموالها لدى البنك المركزي، بينما الريبو أصبح يتراوح بين 3 إلى 3.75 صعوداً من 2.5 في المائة وهو سعر الإقراض من البنك المركزي للبنوك.
رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة ليس فقط نتيجة ارتفاع أسعار الغاز والغذاء في الاتحاد الأوربي، بل أيضاً لوقف ارتفاع معدلات التضخم، لكنه قد يحدث إذا ارتفعت الأسعار أكثر، لكن البنوك على استعداد لمواجهة الألم فيما يتعلق بالانكماش الاقتصادي لإثبات مصداقيتهم في الوصول إلى أهدافهم بشأن خفض معدلات التضخم، خصوصاً بعدما أساءت البنوك المركزية قراءة التضخم في 2021، لكن الحرب في أوكرانيا عجلت من اتخاذ البنوك قرار رفع أسعار الفائدة بهدف الموازنة بين احتمالات حدوث ركود مقابل مخاطر حدوث أزمة تضخم مستمرة من شأنها تقويض مصداقية البنوك المركزية.
لكن بعض الاقتصاديين يرونها خطوات مبالغ فيها، وأنه نتيجة هذا التشدد ستؤول إلى ركود عالمي، وهو ما أعلنه البنك الدولي عن مخاوف مشابهة، نتيجة أن البنوك المركزية فقدت الثقة بقدرتها على التنبؤ بالتضخم بدقة الذي دفع بها إلى التركيز أكثر على معدلات التضخم الفعلية الحالية، لكن تكلفة المبالغة أقل من التقصير في ذلك كما حدث في السبعينيات من القرن الماضي.
يتأهب المستثمرون لمزيد من الفوضى في الأسواق بعد عاصفة أسعار الأصول، وعمليات البيع في شتى فئات الأصول تجتذب القليل من صائدي الصفقات، وأعتقد أن صندوق الاستثمارات السعودي يتأهب لمثل تلك الفرص السانحة في الأصول الحيوية التي تخدم رؤية السعودية، وخصوصاً أن المستثمرين يعيدون موازنة محافظهم وسط استمرار التضخم وارتفاع الفائدة، وكذلك الأسهم تهوي في كل مكان، والتقلبات تنتقل إلى صرف العملات ما عدى العملة السعودية المرتبطة بالدولار ريثما تتحقق رؤية المملكة والتحول من دولة منتجة فقط للنفط إلى دولة ذات قاعدة إنتاجية متنوعة، فما زالت الصادرات النفطية تمثِّل 81 في المائة من إجمالي الصادرات في يوليو 2022 .