فهد بن عبدالله الخلف
من الأساليب اللغويّة المتداولة أسلوب التسوية الذي يتكوّن من همزة التسوية التي تدخل على جملة يصحّ حلول المصدر محلّها، وذلك بعد كلمات أو جمل محصورة مثل: سواء، وسيّان، وما أبالي، وما أدري، وليت شعريّ، ويكون حرف العطف المستعمل في هذا الأسلوب هو: (أم) (1)، ويرى علاء الدين الإربلي (ت 741هـ) أنّه «لا وجه لحصره في عدد، بل متى دلّ الكلام على التسوية حكم بها»(2). ويرى المجمع اللغويّ القاهريّ جواز استعمال أسلوب (سواء أكان كذا أو كذا) بالعطف بـ(أو) عوضًا عن (أم)، وهذا نصّ قراره: «ينكر بعض الباحثين مثل قولهم: هذا حلف يضمّ الدول الإسلاميّة سواء أكانت عربيّة أو غير عربيّة محتجين لذلك بأنّ الهمزة هنا للتسويّة، ولا يصحّ العطف بعدها بـ(أو)؛ لمنافاة معنى التسوية. وترى اللجنة أنّ استعمال (أو) جائز مع ذكر الهمزة، وعدم ذكرها، وكذلك (أم)، وإن كان الأفصح استعمال (أم) مع الهمزة»(3)، وفي موضع آخر من الكتاب ذاته ورد هذا النصّ أيضًا «يجوز استعمال (أم) مع الهمزة، وبغيرها وفاقًا لما قرّره جمهرة النحاة، واستعمال (أو) مع الهمزة، وبغيرها كذلك على نحو التعبيرات الآتية: سواءٌ عليّ أحضرت أم غبت، سواء عليّ حضرت أم غبت، سواء عليّ أحضرت أو غبت، سواء عليّ حضرت أو غبت. والأكثر في الفصيح استعمال الهمزة و(أم) في أسلوب (سواء)»(4)، ويوافق أحمد مختار عمر رأي المجمع القاهريّ في تصويبه لتركيب التسوية مع همزة التسوية والعطف بـ(أو)، ومثّل لذلك بقوله: (سأزورك سواء أزرتني أو لم تزرني) (5)، وسوف أقصر حديثي في هذه المقالة على أسلوب (سواءٌ أكان كذا أو كذا)، وأنطلق في هذه المناقشة من هذا التساؤل الذي مفاده ما مستند مجمع اللغة العربيّة في القاهرة في تجويزه لهذا الاستعمال المكوّن من لفظ التسوية (سواء، ليت شعري، ما أبالي، ما أدري، وما في معناها)، وهمزة التسوية، والعطف بـ(أو)؟ وللإجابة عن هذا التساؤل عدتُّ إلى بعض الكتب المصنّفة في حروف المعاني العربية، ومنها معاني الحروف للرمّاني (ت384هـ)، ولم أجده يشير إلى استعمال ألفاظ التسوية مع همزة التسوية، والعطف بـ(أو)، فقد أشار إلى استعمال (أو) مع همزة الاستفهام من دون لفظ التسوية (6). ومنها كتاب الأزهية للهرويّ (ت415هـ) الذي أورد أمثلة متعدّدة على ألفاظ التسوية وجملها، ثمّ يقرّر أنّ «العطف بعد ألف الاستفهام، وبعد ألف التسوية جميعًا بـ(أم)، وهي معادلة الألف في هذين الوجهين بمعنى أيّوتقول: ليت شعري أزيد في الدار أم عمرو؟ فهذا بمعنى ليت شعري أيّهما في الدار؟ فإن قلت: ليت شعري أزيد في الدار أو عمرو؟ فهو بمعنى: ليت شعري أأحدهما في الدار؟»(7). ومنها أيضًا رصف المباني للمالقي (ت702هـ) الذي ذكر التسوية بصيغة سواء مع الهمزة والعطف بـ(أم)، ومثّل لها بـ(سواء عليّ أقمت أم قعدت)، واستشهد بالآية الكريمة (سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم)، واستشهد ببيت زهير:
سواء عليه أيّ حين أتيته
أساعةَ نحس تُتّقى أم بأسعد
ولم يشر المالقي إلى استعمال أو في التسوية (8). ومنها جواهر الأدب للإربلي (ت 741هـ) الذي يقول: «ولا يجوز عطف الثاني على الأول بـ(أو) عوضًا عن (أم) (9). ومنها الجنى الداني للمرادي (ت 749هـ) الذي ذكر ألفاظ التسوية الواقعة قبل همزة التسوية، وهي: (سواء، وليت شعري، وما أبالي، وما أدري)، واستشهد بالآية الكريمة (سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم)، ولم يذكر التسوية مع أو (10)، ويقول ابن هشام (ت761هـ): «إذا عطفت بعد الهمزة بـ(أو) فإن كانت الهمزة للتسوية لم يجز قياسًا، وقد أولع الفقهاء وغيرهم بأن يقولوا: (سواء أكان كذا أو كذا)» (11).
وبعد إيراد آراء بعض النحويّين الذين ألّفوا في حروف المعاني نخرج بنتائج منها:
النتيجة الأولى: لا يجوز العطف بـ(أو) في أسلوب التسوية التامّ أيْ: المكوّن من لفظ التسوية، وهمزة التسوية، وحرف العطف (أم).
النتيجة الثانية: قال الهرويّ: فإن قلتَ: ليت شعري أزيد في الدار أو عمرو؟ فهو بمعنى: ليت شعري أأحدهما في الدار؟ فهذا التمثيل ليس من باب التسوية بين الأمرين، وإنّما هو من التخيير أو الشكّ أو غيرها من معاني (أو)، وفي قوله: (فإن قلتَ) إشارة إلى أنّه مثال مصنوع؛ لتقريب الفكرة، ولم يذكر شاهدًا يحتجّ به على هذا الاستعمال.
النتيجة الثالثة: لم يستند مجمع اللغة العربيّة في القاهرة في تجويز هذا الاستعمال على مصادر السماع اللغويّ من القرآن الكريم وقراءاته، والشعر العربيّ القديم، والنثر العربيّ القديم، بل يبدو أنّهم اعتمدوا معيار كثرة الاستعمال في العصر الحديث.
النتيجة الرابعة: نصّ المجمع اللغويّ القاهريّ على أنّ الأفصح استعمال حرف العطف (أم) في أسلوب التسوية، وقد يُفهَم من هذا أنّ تجويز العطف بـ(أو) كان سببه كثرة الخطأ في استعمال أسلوب التسوية مع (أو).
النتيجة الخامسة: الاستعمال لأسلوب (سواءٌ أكان كذا أو كذا) كان قديمًا في أوساط الخاصّة من الفقهاء، وغيرهم في القرن الثامن وما حوله كما أشار إلى ذلك ابن هشام.
وقد يقول قائل: إنّ بعض النحويّين المتقدّمين قد احتجوا على ورود أسلوب (سواء أكان كذا أو كذا) بقراءة شاذّة تنسب إلى أبي محيصن عن الزعفرانيّ، وأجيبُ بأنّ من أورد هذه القراءة من النحويّين قد ذكرها؛ لردّها، ووصفها بالشذوذ الشديد، وعدم صلاحيتها للاحتجاج، قال العكبريّ (ت 616هـ): «ويقرأ (أو لم تنذرهم) وهو بعيد جدًّا؛ لأنّ ألف التسوية لأحد الشيئين، فتدخل (أم) تنبيهًا على ذلك، فكأنّه قال: الأمران مستويان، ولا شكّ هاهنا لتدخل (أو) دالّة عليه، والوجه لمن قرأ به أنّ (أو) قد تقع في الإباحة، فيقرب معناها من معنى الواو، كقولك: جالس الحسن أو ابن سيرين، وليس المعنى جالس أحدهما، بل تقديره: جالس الحسن وابن سيرين وأشباههما، وقد جاءت (أو) بمعنى الواو... فتكون (أو) بمعنى الواو هاهنا حملًا على المعنى، كأنّه قال: سواء عليهم الإنذار وتركه»(12).
وقد أورد ابن هشام أيضًا هذه القراءة (سواء عليهم أأنذرتهم أو لم تنذرهم) ناسبًا إيّاها إلى ابن محيصن من طريق الزعفراني، ووصفها بأنّها من الشذوذ بمكان (13). وأورد الإربلي هذه القراءة (سواء عليهم أأنذرتهم أو لم تنذرهم) معلّقًا عليها بقوله: «واتّفقوا على ضعف قراءة ابن محيصن من طريق الزعفراني»(14).
وفي الختام نصل إلى نتيجة مفادها أنّ مجمع اللغة العربيّة في القاهرة لم يستند إلى مصادر لغويّة في تجويز استعمال أسلوب التسوية مع همزة التسوية، وحرف العطف (أو)، ولم يستشهدوا بالقراءة الشاذّة الواردة عن ابن محيصن (سواء عليهم أأنذرتهم أو لم تنذرهم). هذا ما بلغه اجتهادي، ومن لاح له وجه في تجويز استعمال هذا الأسلوب فليوافني به مشكورًا مأجورًا.
** ** ** ** ** ** ** **
الحواشيّ:
(1) انظر يعقوب، إميل بديع: معجم الإعراب والإملاء، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1983م، ص21.
(2) الإربلي، علاء الدين: جواهر الأدب في معرفة كلام العرب، تحقيق: إميل بديع يعقوب، دار النفائس، دمشق، سوريا، الطبعة الثانية، 1430هـ/ 2009م، ص39.
(3) أمين، محمّد شوقي؛ الترزي، إبراهيم: القرارات المجمعيّة في الألفاظ والأساليب من 1934م-1987م، الهيئة العامّة لشؤون المطابع الأميريّة، القاهرة، مصر، د.ط، 1410هـ/ 1989م، ص58.
(4) أمين، محمّد شوقي؛ الترزي، إبراهيم: القرارات المجمعيّة في الألفاظ والأساليب من 1934م-1987م، ص101.
(5) انظر عمر، أحمد مختار: معجم الصواب اللغويّ دليل المثقّف العربيّ، عالم الكتب، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1429هـ/ 2008م، جـ1، ص454، ص455.
(6) انظر الرمانيّ، عليّ بن عيسى: كتاب معاني الحروف، تحقيق: عبد الفتّاح شلبي، دار الشروق، جدّة، المملكة العربيّة السعوديّة، الطبعة الأولى، 1401هـ/ 1981م، ص80.
(7) الهروي، كتاب الأزهية في علم الحروف، تحقيق: عبد المعين الملّوحي، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، دمشق، سوريا، الطبعة الثانية، 1401هـ/ 1981م، ص125، ص126.
(8) انظر المالقي، أحمد بن عبد النور: رصف المباني في شرح حروف المعاني، تحقيق: أحمد الخرّاط، مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق، سوريا، د.ط، د.ت، ص46.
(9) الإربلي، علاء الدين: جواهر الأدب في معرفة كلام العرب، ص39.
(10) انظر المراديّ، حسن بن قاسم: كتاب الجنى الداني في حروف المعاني، تحقيق: فخر الدين قباوة ومحمّد نديم فاضل، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1413ه/ 1992م، ص32.
(11) الأنصاريّ، عبد الله بن يوسف: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، تحقيق: فخر الدين قباوة، دار اللباب، إسطنبول، تركيا، الطبعة الثانية، 1439ه/ 2018م، ص77.
(12) العكبري، أبو البقاء: إعراب القراءات الشواذّ، تحقيق: محمّد السيّد عزّوز، عالم الكتب، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1417هـ/ 1996م، جـ1، ص116، ص117.
(13) الأنصاريّ، عبد الله بن يوسف: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ص77.
(14) الإربلي، علاء الدين: جواهر الأدب في معرفة كلام العرب، ص39.