د. عبدالحق عزوزي
بدأت وسائل الإعلام الدولية المعتمدة تشير إلى مخاوف غير مسبوقة تنقلها عن المسؤولين الغربيين فيما يتعلق بالحرب الروسية - الأوكرانية جراء تحقيق القوات الأوكرانية نجاحات كبيرة في هجوم مضاد شنته منذ مطلع سبتمبر/ أيلول، وأدى إلى تحرير العديد من الأراضي التي احتلتها القوات الروسية؛ وتكمن هاته المخاوف في إمكانية لجوء روسيا «الدولة النووية» إلى استخدام أسلحة الدمار الشامل لتخويف الأوكرانيين ودفعهم إلى الاستسلام، أو إلى الدخول في مواجهة مباشرة مع الغرب في حرب عالمية ثالثة... وهذا التخوف هو أيضاً جزء من تحذير الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف منذ أيام عبر قناته في منصة تلغرام، الدول الغربية من حرب عالمية ثالثة ومن مواجهة عسكرية مباشرة بين روسيا والناتو، في رده على مطالبة أوكرانيا من حلف شمال الأطلسي تقديم «ضمانات أمنية» أو ضمها إلى التكتل العسكري الغربي، وأيضاً في حال استمر ضخ الأسلحة والدعم العسكري من الغربيين إلى كييف، وهو ما اعتبره مدفيديف «حرباً بالوكالة لإضعاف روسيا». وهذا الكلام يأتي من رجل دولة روسي يعي ما يقول وهو «الساعد الأيمن» والحليف الوفي للرئيس بوتين...
نفس التخوف أصدرته بالتزامن مع تهديدات مدفيديف، النائبة السابقة للأمين العام لحلف شمال الأطلسي روز غوتيمولر، إذ أعلنت أن الخسائر الميدانية الأخيرة للقوات الروسية في أوكرانيا خصوصاً في منطقة خاركيف، قد تدفع بوتين للجوء إلى استخدام الأسلحة النووية.
كما أن الرئيس الأمريكي جو بايدن، حذر بوتين من استخدام أسلحة كيميائية أو نووية في أوكرانيا؛ والرئيس الأمريكي لا يتحدث من فراغ بل انطلاقاً من التقارير الاستخباراتية الأمريكية، التي كانت توقعاتها كلها صحيحة حتى قبل نشوء الهجوم الروسي على أوكرانيا...
والذي أراه شخصياً أن القوات الروسية لن تقبل الهزيمة، وأنها تقوم في الآونة الأخيرة بسياسة تكتيكية تعيد الانتشار والتموضع بسبب كثرة الجبهات وانخفاض عمليات الإمداد والتموين في مختلف الجهات الأوكرانية؛ دون نسيان تدفق المعلومات الاستخباراتية الغربية والأسلحة إلى أوكرانيا كمنظومة HIMARS وصواريخ جافلين وستينغر ومدافع هاوترز وقذائف كاليبر التي تساعد الأوكرانيين على الصمود والهجوم، خاصة الضربات الدقيقة الموجهة لمواقع القيادة والتحكم والتخزين... وهذا ما جعل أوكرانيا تعلن نجاح قواتها في مواصلة التوغل شرقاً في المناطق التي انسحبت منها القوات الروسية، مما يعزز الاعتقاد بقرب شنها لهجوم جديد على القوات الروسية في منطقة دونباس التي دعا زعيمها إلى تنظيم استفتاء عاجل للانضمام إلى روسيا...
وموازاةًً مع ذلك تحاول روسيا الظهور على شكل فاعل دولي قوي؛ إذ روجت مع الصين خلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي انعقدت الخميس والجمعة في أوزبكستان، بمشاركة قادة الدول الأعضاء أي الهند وباكستان وأربع دول في آسيا الوسطى إضافة إلى رئيسي إيران وتركيا، «لنظام دولي جديد» يهدف إلى تحدي النفوذ الغربي عبر حشد قادة المنطقة في هذا التجمع الذي تأسس عام 2001 وبات بمثابة بديل «للمنظمات المتمركزة حول الغرب» في وقت يزداد الضغط فيه على موسكو بشأن أوكرانيا ويتفاقم غضب بكين من دعم الولايات المتحدة لتايوان؛ وقد قال شي للقادة المجتمعين إن الوقت حان لإعادة تشكيل النظام الدولي و»التخلي عن المعادلات الصفرية والسياسات القائمة على تشكيل كتل». وأضاف أنه يجب على قادة العالم «العمل معاً لدعم تنمية النظام الدولي في اتجاه أكثر إنصافاً وعقلانية».
لكن سرعان ما برزت التصدعات خلال القمة حيث قال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي للرئيس الروسي إن الآن «ليس وقت» إشعال نزاع في أوكرانيا بينما اندلعت مواجهات حدودية عنيفة بين قوات قرغيزستان وطاجيكستان فيما كان زعيما البلدين يشاركان في القمة.
ولكن هل ستقوم روسيا بهجوم نووي في أوكرانيا؟ أستبعد استخدام الروس للأنظمة الإستراتيجية المركزية، أو الصواريخ البالستية العابرة للقارات، أو الصواريخ التي يتم إطلاقها من الغواصات وهي موجهة خصيصاً نحو الولايات المتحدة؛ وحتى إذا سلمنا أن المخاوف التي يعلن عنها المسؤولون الغربيون قائمة فإن ذلك سيتم عبر ضربة واحدة فوق البحر الأسود، أو ضربة ضد منشأة عسكرية أوكرانية؛ وسيكون الهدف من ذلك ليس لإثارة الرعب في قلوب الأوكرانيين ولكن في قلوب الدول الغربية وبالأخص الدول الأوروبية. هذا السيناريو يثير القلق؛ وإذا تم فإنه سيغير مسار الحرب وسيسير بقواعد النظام الدولي الحالي نحو المجهول.