د. محمد بن إبراهيم الملحم
بعد الحديث عن دور التقييم لجودة التغيير التعليمي وذلك في مرحلة ما قبل التنفيذ أشير اليوم إلى دوره في المرحلة التالية لها وهي أثناء التنفيذ. ودور التقييم «أثناء» التنفيذ أن يقدم تصوراً أولاً بأول وبشكل آني ومتزامن مع التطبيق عن مدى نجاح «عمليات» التغيير وإجراءاته على المستوى اليومي فيضمن أنها فُهمت ونُفذت كما خطط لها إذا كانت النتائج إيجابية، أما تلك السلبية فسوف تنبه المشرفين على التغيير إلى الخلل وضرورة اتخاذ إجراءات لصيانة عملية التنفيذ وإلا مضى التغيير بعنوانه المثير ولكن بإجراءات منحرفة (قليلاً أو كثيراً) مما قد يتسبب في نتائج خلاف المتوقع منه الأمر الذي قد يتسبب في اتهام التغيير نفسه ومبادئه التي جاء بها بالخطأ والقصور بينما الحقيقة ليست كذلك في واقع الأمر.
ليتأمل كل واحد منا كم عملية تغييرية عاصرها فيما سبق ينطبق عليها هذا الواقع فلم يتم تقييمها أثناء التنفيذ؟ أنا واثق أن كلاً منا سيجد أكثر من مثال غالباً. وقد يسأل سائل: لماذا لا تطبق المؤسسات ذلك؟ الجواب هو أحد هذه الأسباب: إما غياب الوعي والفهم الجيد لدور هذا النوع من التقييم وتقدير أهميته، خاصة أنه مستقر في أذهان غالبية الناس أن التقييم لا يتم إلا بعد التنفيذ، وإما لتجنب تكلفته العالية والجهد الذي وراءه فهو تقييم يحتاج إلى شمولية وسرعة تنفيذ واستخلاص نتائج فورية للتعرّف على أية انحرافات في وقت مبكر يمكن معه تجنب تلك الانحرافات، فالتقييم هنا أصبح جزءاً من إجراءات التنفيذ وهو يكمل دورة العلاقة التكاملية بين مراحل عملياته الأولى والأخيرة، وإما الخشية والتخوّف من التقييم ذاته، فهناك أحياناً درجة من عدم الثقة في التقييم، وبالتالي يصعب المساس بإجراءات التغيير وهي في أوج تنفيذها بسبب نتائج تنتج بشكل سريع وغير موثوق فيها! وقد يكون مصدر هذه الخشية والتخوف عدم الثقة في الجهة التقييمية، حيث قد يكون لها موقف ضد التغيير مثلاً، سواء كان ظاهراً أو نتيجة توقع المتشككين بتشاؤمية أنه موجود ولكن خفي، فالمسألة هنا من نوع تعارض السياسات أو التوجهات ويعبر عنها بمصطلح micro-politics وقد لا يكون هناك تعارض سياسيات وتوجهات ولكن بسبب عدم الثقة في إمكانيات جهة التقييم أو تمكّن أفرادها مما يشكك في النتائج التي سيتوصلون لها قبل أن يبدأوا العمل! وهذا كثير ومشاهد، ويحدث ذلك حتى لو كانت جهة التقييم ليست خارجية وإنما تتبع للمؤسسة التي تحدث التغيير ذاتها ولكن أصحاب القرار في تلك المؤسسة ليست لديهم ثقة في قدرات من يعملون لديهم، وهذا قد يكون هو الواقع ومع ذلك لا تدريب لهم ولا تطوير لتلك الأقسام، ولكن مما يؤسف له أن يكون سببه أحياناً عائد لغياب القدرات الشخصية لدى أصحاب القرار هؤلاء في قراءة التقييم قراءة علمية لفحصه وتمحيصه على نحو يمكنهم من مناظرة خبراء التقييم المتمكنين والعاملين لديهم، ومع ذلك قد يستغرب بعضنا لماذا أحياناً يوافق المسؤولون على إجراء عمليات التقييم مع وجود هذا الشك أو عدم التناغم؟ فالجواب يسير وهو أن أصحاب القرار عندئذ يقومون بالتقييم لأجل التقييم نفسه ليس لأجل نتائجه، أعني لتسويق فكرة أنهم «يقيّمون»، وفي تلك الحالة البائسة تجدهم يرحبون بالنتائج حال موافقتها ما يدور في بالهم فقط.