د. فهد صالح عبدالله السلطان
تفاجأ الكثير من المحللين بالتقارير المالية والاقتصادية التي تبين اتجاه الاستهلاك في المجتمع السعودي كتلك التي تصدر عن البنك المركزي أو التي صدرت أخيرًا عن مجموعة الشرق بلومبرغ عن القطاعات الأكثر استنزافًا لمدخرات المجتمع السعودي والتي يصرف فيها أكبر حصة من مدخراته. وعلى سبيل المثال فقد تضمنت الأرقام الواردة في بلومبرغ عن قطاعات الصرف خلال النصف الأول للعام 2022 من خلال نقاط البيع فقط، أن قطاع المشروبات والأطعمة احتل المرتبة الأولى بواقع 11 مليار ريال، ثم قطاع المطاعم والمقاهي بواقع 10 مليارات ريال للنصف الأول من العام الحالي فقط وبما يقدر بـ 42 مليار للعام 2022 . وفي واقع الأمر فإن هذه الأرقام لابد أن تستوقف كل منصف ومحب لبلده. ففضلاً عن الاستنزاف الاقتصادي لهذا السلوك الاجتماعي وتأثيره سلبيًا بشكل مباشر وغير مباشر على الاقتصاد الوطني، وتبعاته الصحية والإنتاجية واستنزاف ثروة الوقت والمال، فإنه قد يقرأ على أنه مؤشر سلبي أيضًا على ثقافة المجتمع ووعيه بأولوياته. فهو دلالة على الاتجاه للاستهلاك الترفي على حساب الادخار، ومؤشر على ثقافة الميل للراحة والترف بدلاً من العمل والإنتاج، ودلالة على التقليد الأعمى لمجتمعات تراجعت فيها قيم الأسرة والمنزل والعائلة وحفظ النعمة...الخ.
وبطبيعة الحال فإن الاقتصاد الوطني يتحمل تجاه ذلك تكاليف مباشرة وغير مباشرة تتعلق بتكاليف العناية الصحية، وهدر الوقت، والسهر والتخلف عن القيام المبكر وأداء الأعمال والجهل، والبطالة.
المستشفيات تشتكي من ارتفاع معدل السمنة والسكري، والمدارس تتساءل عن ظواهر تتعلق بتراجع حيوية ونشاط الطلبة صباحًا بسبب السهر وزيادة الأكل والشرب في الليل، والقطاع الإنتاجي يضع علامات استفهام عن تأخر بعض الموظفين عن الحضور صباحًا، وأئمة المساجد يشتكون من قلة رواد صلاة الفجر، وأرباب البيوت يندبون حظهم من خروج بعض أفراد الأسرة ليلاً وعدم رغبتهم التواجد وتناول الأكل والشرب الصحي في المنزل، والأخصائيون الاجتماعيون يلوحون بظواهر التفكك الأسري....الخ.
والذي يبدو أن كثيرًا من هذه الدعايات تؤثر سلبًا على الاقتصاد الوطني وعلى المجتمع وتتعارض مع كثير من قيمنا الاجتماعية.. وقد تفاقمت المشكلة حديثًا بسبب وسائل التواصل الاجتماعي والمروجين والمروجات للمطاعم والمقاهي وما في شاكلتها بشكل مفرط وجشع، وفي معظمه لا يعكس الواقع.. وقد صور هؤلاء ارتياد المطاعم والسهر في المقاهي على أنه مؤشر حضارة ورقي، وأصبح بعض الشباب والشابات ينظرون إلى السهر في المقهى أو ارتياد المطعم على أنه جزء من الحياة اليومية.. وهي صورة رسمتها - للأسف - بعض وسائل التواصل الاجتماعي التي لا يهم أصحابها سوى مصالحهم الشخصية.
ونظرًا لتوجهات الحكومية الراشدة حيال التنمية الاقتصادية والاهتمام بالتنمية الاجتماعية فإن الأمر يتطلب الوقوف على هذه الحالة والتأكد من كونها تمثل ظاهرة اجتماعية، فإن كان الأمر كذلك فإنه يستحسن تبني برنامج وطني موضوعي وشامل يتضمن ما يلي:
1 - توجيه السلوك الاجتماعي في الجانب الاستهلاكي من خلال منهج يشمل قطاعات: الإعلام، التعليم، زرع الثقافة الإسلامية بالترشيد ونبذ الإسراف، التوعية الصحية...الخ.
2 - تقنين الدعايات والإعلانات المتعلقة بالمطاعم والمقاهي وما في حكمها ووضع الأنظمة والقوانين التي تضمن وقوع تلك الرسائل في دائرة الموضوعية والمصلحة الوطنية، وحظر ما يتعارض مع ذلك. على غرار حظر الإعلانات المتعلقة ببعض الأنشطة القائمة الأخرى لما في ذلك من مصلحة وطنية اجتماعية واقتصادية.
والله الهادي إلى سواء السبيل،،،